يا أخي المسلم، أذكِّرك اللهَ ربَّك، الذي خلقك ورزقك، وأحياك وعافاك، والذي أطعمك وسقاك، وكساك وآواك، والذي متَّعك بسمعك وبصرك، وعقلك وقواك، والذي أمَّنك في وطنك على نفسك وأهلك ومالك، والذي علَّمك ما لم تكن تعلم، وفضَّلك على كثير ممن خلق تفضيلاً، والذي سخَّر لك ما في السموات وما في الأرض، وأسبغ عليك نِعَمَه ظاهرة وباطنة.
فاحمدِ الله يا أخي المسلم، واشكره على نِعمه، بالاستعانة بها على طاعته؛ لكي تستقرَّ ويزيدك منها؛ قال - تعالى -: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم: 7].
يا أخي المسلم، انتهزْ فرصة شبابك وصحتك وحياتك قبل زوالها؛ فإن الحياة محدودة، والأنفاس معدودة، والأعمال والأقوال محسوبةٌ ومكتوبة ومحفوظة، وسوف تُسأل عنها، وتجازَى عليها أتمَّ الجزاء، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر؛ ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: 7، 8]، وسوف تُسأل عن سمعك وبصرك وما انطوى عليه ضميرُك؛ ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا﴾ [الإسراء: 36]، كما سوف تُسأل عن عمرك فيمَ أفنيتَه؟ وعن شبابك فيمَ أبليتَه؟ وعن مالك من أين اكتسبتَه وفيمَ أنفقتَه؟ وعن عِلمك ماذا عملتَ فيه؟ فأعدَّ للسؤال جوابًا صحيحًا.
يا أخي المسلم، أخلصْ لله نيَّتَكَ وأقوالك وأفعالك، وحافظْ على الصلوات في أوقاتها، وأخرِجْ زكاةَ مالك إلى مستحقيها، قبلَ أن تكون ثُعبانًا يُطوِّقك في قبرك ويوم حشرك، أخرج زكاة مالك قبلَ أن يُحمى عليها في نار جهنم، فيكوى بها جبينُك وجنبُك وظهرُك، حافظ على صيام رمضان بالامتناع عن المفطِّرات، وحفظ الجوارح عن المحرمات، من الكلام المحرَّم، والنظر المحرم، والسماع المحرم، والأكل والشرب المحرم؛ فإنَّ هذه الأعمال تمنع الأجرَ والثواب، وتُذهب الحسناتِ، وتوجب العقابَ الأليم والعذاب لِمَن لم يتبْ منها، ومن تاب تابَ الله عليه وغفر له ورحمه، وهو التواب الرحيم.
حجَّ البيت الحرام، وليكنْ حجُّك مبرورًا؛ لتُجزى به الجنة، بأن تحجَّ كما شَرَع الله، وكما
حجَّ رسولُ الله r وذلك بالمحافظة على الواجباتِ والمستحبَّات، وتَرْك المحرمات والمكروهات، وعليك ببرِّ الوالدين، وصِلة الأرحام، والإحسان إلى الجيران والفقراء والأيتام، واذكرِ الله كثيرًا بلسانك وقلبك، قائمًا وقاعدًا على جنبك، يذكرْك برحمته ومغفرته، ويُثنِ عليك عندَ ملائكته، واستغفرْه يَغفرْ لك.
قال - تعالى -: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾، وقال r: ((قال الله - تعالى -: يا ابنَ آدم، لو بلغتْ ذنوبُك عنان السماء، ثم استغفرتني غفرت لك))، فهو - تعالى - يغفر للتائبين والمستغفرين ذنوبَهم جميعًا؛ كما قال - تعالى -: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾، فتبْ إلى الله يتبْ عليك؛ ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الشورى: 25].
واحفظ الله يحفظك، واتقِ الله حيثما كنت، وادعُ الله يستجبْ لك، واسألْه يُعطِك، وكن مع الله يكن معك؛ ﴿إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾ [النحل: 128]، وأحسن عبادةَ الله كأنك تراه، فإنه - تعالى - يراك ويسمعك، ويعلم سرَّك وعلانيتك، وأحسن إلى عباد الله بما تستطيع يحسن إليك ويرحمْك؛ ﴿إِنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الأعراف: 56].
يا أخي المسلم، انتبه لنفسك وحاسِبْها قبل الحساب، وقبل هجوم الموت وانقطاع اللذات ودوام الحسرات؛ ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور: 31].
اللهم تبْ علينا إنك أنت التواب الرحيم، واغفر لنا خطايانا يوم الدين، ولا تُخزنا يوم يبعثون، يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلاَّ مَن أتى الله بقلب سليم، وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، آمين يا رب العالمين، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، يا قريب يا مجيب، يا سميع الدعاء، يا واسع الفضل والعطاء، و صلَّى الله على محمد.