دروس ليالي رمضان: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً18رمضان 1435 / 16 يوليوز 2014
محمد زراك إمام وخطيب المسجد الكبير بأولاد برحيل المغرب اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، اللهم ارحمنا بالمرحوم فينا، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، اللهم تقبل صيامنا وقيامنا وسائر اعمالنا يا رب العالمين . أيها المؤمنون! كنا البارحة مع تأملات في سورة الأنفال فتعالوا بنا الليلة نقف بكم مع آية من آيات القرآن الكريمات، وسنحاول أن نصل بها إلى قلوبنا حتى تطمئن وتزداد إيمانا وهذه الآية هي قوله سبحانه: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً.والاحسان ببساطة هو:الإتقان، أن تتقن كل شيء، عبادتك ومعاملتك، فعندما سأل جيريل الرسول r عن الإحسان قال: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) ويقول النبي r: " إن الله كتب الإحسان على كل شئ " أي أنك مأمور بأن تستشعر مراقبة الله لك في كل جوانب حياتك، في سرك ، في علانيتك، في بيتك، في متجرك، في فرحك، في حزنك، في معاملتك لزوجتك ولأبنائك ولوالديك ولجيرانك، إن تكلمت بكلام فهو سميع، وإن سكتَّ وحدثت نفسك فهو عليم، وإن تحركت فهو بصير،علم ما كان، وعلم ما يكون، وعلم ما سيكون، وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون.والله الذي لا إله غيره إذا امتلأ قلبك بحقيقة الإحسان ستكون إنسانا آخر وستتغير حياتك، وتحسن عبادتك ومعاملتك. يقول الله سبحانه وتعالى:}وبالوالدين احسانا{هذه الآية وضعت منهجا للتعامل مع الوالدين ، هذا المنهج تدل عليه كلمة :الإحسان، ويشمل الإحسان الإنفاق عليهما ولين الكلام معهما، والتواضع لهما، وطاعتهما وعدم رفع الصوت عليهما، وعدم إظهار الغضب والسخط في وجهيهما كل ذلك من الإحسان بالوالدين ، جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله، أبايعك عى الهجرة والجهاد فقال له النبي r وهل من والديك أحد حي؟" قال: نعم، كلاهما، فقال النبي r ارجع الى والديك فأحسن صحبتهما"! هذه رواية وفي رواية الطبراني «الزمهما فإن الجنة تحت أقدامهما».
ويسأله رجلٌ آخر ؛ يا رسول الله إنَّني أشْتهي الجهاد ولا أقدر عليه ، فيُجيبُ عليه الصلاة والسلام : هل بقي من والدَيْك أحد ؟ فقال : نعم ، أُمّي ، قال له r (قابِلِ الله في بِرِّها ، فإذا فَعَلْت ، فأنت حاجّ ومعتمر ومجاهد)
وجاءه رجلٌ آخر فقال يا رسول الله r جئتُ أُبايِعُك على الهِجرة ، وتركْتُ أبوايَ يبكيان ، فيُجيبُه النبي صلى الله عليه وسلّم : (اِرْجِع إليهما فأضْحِكهما كما أبْكَيتهما)
وجاءه رجلٌ آخر فقال يا رسول الله: " يا رسول الله شَهِدُّتُ أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله ، وصلَّيت الخمس ، وأدَّيت زكاة مالي ، وصُمت رمضان ، فما ليَ ؟ ـ أي مالي من الأجر ـ فقال رسول الله r: (مَن مات على هذا كان مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة هكذا ، وشابك بين أصابعه ، ما لم يعقَّ والديه) فإذا عَقَّ والديه لا تنفعه لا صلاته ، ولا صيامُه ، ولا حجُّه ، ولا زكاته ، ولا شهادته .
وجاءه رجلٌ آخر فقال يا رسول الله r أني خطبت امرأة فأبت أن تتزوجني، وخطبها غيري فقبلته، فغرت عليها فقتلتها، فهل لي من توبة؟ قال: (أمك حية؟ قال: لا. قال: تب إلى الله وتقرب إليه ما استطعت. فقال رجل لابن عباس: لم سأله عن حياة أمه؟ قال: (إني لا أعلم عملاً أقربَ إلى الله عز وجل من بر الوالدة)
وجاء رجل إلى عمر رضي الله عنه، فقال: إني قتلت نفساً، فقال: ويحك، خطأ أم عمدا؟ قال: بل خطأ، قال: هل من والديك أحد؟ . قال: نعم، قال: أمك؟ قال لا إنه أبي. قال: انطلق فبره وأحسن إليه فلما انطلق، قال عمر: والذي نفسي بيده لو كانت أمه حية فبرها وأحسن إليها، رجوت ألا تمسه النار.
وإنه لو لم يكن في بر الوالدين من الخير إلا أنه أعظم أبواب الجنة لكفى به فضلا وخيرا كثيرا، يقول رسول الله r نمت فرأيتني في الجنة فسمعت صوت قارئ يقرأ فقلت: من هذا؟ قالوا: هذا حارثة بن النعمان». فقال رسول الله r كذاك البر، كذاك البر ». وكان أبر الناس بأمه.
أيها المؤمنون! يقول رسول الله r (كل الذنوب يؤخر الله منها ما شاء إلا عقوق الوالدين، فإن الله يعجله لصاحبه في الحياة الدنيا قبل الممات) إليكم هذه القصة: امرأة حصل بينها وبين زوجة ابنها خلاف، فجاء الابن من جهة زوجته وخاصم أمه، فدعت عليه أمه، بأن تضربه شاحنة وتدهسه، تقول هذه المراة: والله جاءني خبر في المساء أن شاحنة ضربته ومات، فذهبت هذه المرأة إلى عالم تسأله هل عليها الدية أم صيام شهرين لأنها قتلت ابنها، ولذلك يقول رسول الله r لا تَدْعُوا على أنْفُسِكُمْ، وَلا تَدْعُوا على أوْلادِكُمْ، فلعلكم أن تُوافِقُوا ساعة استجابة فَيُسْتَجابَ مِنْكُمْ.
يحكي إمام الحرمين عبد الرحمان السديس قصته فيقول: عندما كان صغيراً يلعب بالتراب وأمه تحضّر طعاما، فيأخذ من التراب و يدخل ويرمي فوق الطعام !!! فعندما دخلت أمّه ورأت ما رأت دعت غاضبة : "اذهب جعلك الله إمام للحرمين" وهاهو اليوم يؤم الناس في مكة المكرمة.
فنقول كل أم تدعو على أبنائها بالهلاك، تذّكري أن دعوة الوالدين مستجابة، و تخّيري لنفسك أطيب الدعوات حتى لو كنت غاضبة.
أيها المؤمنون! وبِرُّ الْوَالِدَيْنِ لَا يَنْقَطِعُ بِمَوْتِهِمَا , فقد جاء رجل إلى رسول الله r فقال يا رسول اللهr هل بقي من بر أبويّ شيء أبرهما بعد وفاتهما؟ قال: نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما، من بعدهما وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما.
خمسة أشياء: ((الصلاة عليهما)) أي الدعاء والترحم عليهما.
و((والاستغفار لهما)) أن تسأل الله أن يغفر لهما سيئاتهما.
و((وإنفاذ عهدهما من بعدهما)) الوصية التي يوصيان بها، فالواجب على الولد ذكراً كان أو أنثى تنفيذها إذا كانت موافقة للشرع.
و((إكرام صديقهما)) إذا كان لأبيك أو لأمك أصدقاء وأحباب، فتحسن إليهم بجميع أنواع الإحسان الذي تستطيعه.
و((صلة الرحم التي لا توصل إلا بهما)) أي إلى أقارب أبيك وإلى أقارب أمك، الأعمام والعمات وأولادهم، والأخوال والخالات وأولادهم، كل ذلك من إكرام الوالدين بعد موتهما.
وقبل الختام أدعو كل من كان مقصرا في حق والديه أن يتدارك، إن كانوا أحياء فبحسن معاملتهم، وإن كانوا أمواتا فبالدعاء لهم والتصدق عليهم وغير ذلك مما ذكرناه، فالإنسان ما دامت هناك بقية في الحياة, فإنه يمكن أن يتدارك نفسه، يحكى أن عالما جاءه رجل من أصحاب الثراء، فقال له بلغني أنك ترقي بالرقية الشرعية،ويدي هذه عرضتها على الأطباء، تؤلمني ألما شديدا، وأحيانا يقع الكأس من يدي وأنا أشرب، فاقرأ على ، فقرأ عليه، فعاد له بعد أسبوع قال يدي كما هي، فرقاه مرة اخرى، فرجع في المرة الثالثة، فقال له العالم،راجع نفسك ربما قد تكون ظلمت إنسانا، وبعد جمعتين عاد إلى العالم وقال له: إن يدي شفاها الله، قال بم؟ قال تذكرت منذ عشر سنين وأنا أبني منزلا كبيرا وكان بجواري قطعة أرض لامرأة فقيرة عندها يتامى، فطلب أن تبيعها له فأبت، وبطرقه الخاصة حصل على رخصة لضم هذه الأرض إلى منزله، فذهب هذا الرجل يبحث عن المرأة فطلب السماح منها وأرضاها بمبلغ أكثر بكثير من ثمن الأرض، قال فرجعت إلى بيتي فوجدت يدي قد شفاها الله. الله أكبر
لذلك على الإنسان أن يراجع نفسه، فإذا كان هذا مع امرأة عادية، فما بالكم بالوالدين قرن الله الإحسان إليهما بتوحيده، في الآية التي هي موضوع درسنا اليوم }وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا {
اللهم جاز عنا والدينا بالحسنات إحسانا، وبالسيئات عفوا وغفرانا يارب العالمين.