الحمد لله رب العالمين، أكرمنا بدينه، وأرشدنا إلى سبيله، وهو القائل سبحانه ( والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون* ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله عز وجل، قال تعالى( واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون)
أيها المؤمنون: إن الله عز وجل أخبرنا في كتابه أن الناس جميعا سيسألون يوم الحساب فقال تعالى( فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين* فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين)
وأنهم سيحاسبون يوم القيامة عن أعمالهم، قال تعالى( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين)
وقد أرشدنا الله سبحانه وتعالى إلى الاستعداد لذلك الموقف المشهود، قال عز وجل( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه )
قال الحسن البصري رحمه الله في تفسير قوله ( ويحذركم الله نفسه ) من رأفته بهم أن حذرهم نفسه.
وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحيم بأمته يوجهها إلى الاستعداد للحساب؛ فعن عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم قال:« ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك». فقلت: يا رسول الله أليس قد قال الله تعالى( فأما من أوتي كتابه بيمينه* فسوف يحاسب حسابا يسيرا) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« إنما ذلك العرض، وليس أحد يناقش الحساب يوم القيامة إلا عذب».
فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن النجاة في محاسبة النفس وصدق المراقبة لله في الخطرات واللحظات، فمن حاسب نفسه في الدنيا خف يوم القيامة حسابه، وحضر عند السؤال جوابه، وحسن منقلبه ومآبه، ومن غفل عن محاسبة نفسه دامت حسراته، وطالت في عرصات القيامة وقفاته، وعظمت يومئذ كرباته.
فلا تغفلوا رحمكم الله عن محاسبة نفوسكم في حركاتها وسكناتها، وخطراتها وخطواتها، حتى لا تنقضي لحظات العمر النفيسة في الضياع واذكروا قول ربكم تعالى( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون)