جزاء الإحسان ... ولو بعد سنوات
كثيرا ما نسمع بقصص الكرم والإحسان ورَد الجميل ، ولكن كان ذلك منذ زمن بعيد ، أما ألان فنادرا ما نسمع أن هناك شخصا قد أدى معروفا لأحد دون مقابل ، او ان هناك أحدا ردَّ المعروف بالمثل ...
ولكن قبل أيام عَرفتُ أن الخير ما زال موجودا في زماننا هذا وان الله يجازي المحسن بأضعاف الجزاء في الدنيا والآخرة ...
تبدأ القصة عندما اعتقل الحرس الوطني احد المواطنين الآمنين من بيته في منتصف الليل ليأخذوه إلى احد المعتقلات كالعادة بعد تلفيق التهم وما أسهل ذلك ، وصل الخبر إلى أهله بأنه حي يرزق ولم يُفقد كغيره ممن فُقِدوا ولم يُعرف عنهم شيء لحد ألان ..
ولكن بعد أيام وصل خبر آخر إلى أهله انه سيُنقل إلى معتقل آخر ، ثم فجأة انقطعت أخباره ولم يستطع احد الوصول إليه ومعرفة هل هو بخير أم لا وهل تم نقله حقا أم ....
بدأت زوجته وأولاده بالقلق عليه ، لم يتركوا أحدا إلا وأرسلوه ليتأكدوا من وجوده في المعتقل ، لكن دون جدوى ، دام ذلك أسبوعين تقريبا ، وفجأة وردَّ اتصال من احد أقارب المعتقل إلى زوجته ليخبرها أن زوجها المعتقل قد تم نقله فعلا إلى معتقل آخر ولكن دون علم احد ، فسألته :وكيف عرفت أنت ؟!! فاخبرها أن هناك شخصا من داخل المعتقل قد رآه هناك ، ومن هذا الشخص ؟!
لنعد قليلا إلى الماضي ، ولكن ليس الماضي القريب ، وإنما قبل 25 سنة لنرى موقفا من مواقف هذا المعتقل التي تمر عليه في حياته دائما ...
كالعادة يعود الأب ( المعتقل ) إلى بيته ليعطي لأولاده الحلويات والألعاب التي اشتراها لهم ، وكان يتردد على بيته طفل صغير (هو ابن جاره) ليلعب مع أولاده ويشاركهم في الألعاب ، فكان الأب يعطيه من الحلويات والألعاب التي يحضرها معه ، لا لشيء سوى أن يرسم البسمة على شفاه هذا الطفل الصغير ، فبرأيكم ماذا ينتظر منه غير ذلك ؟...
ولكن لم يدم ذلك طويلا فلقد انتقل الأب (المعتقل ) مع عائلته إلى منطقة أخرى ، وهنا نعود إلى الحاضر ، فبينما الكل يبحث عن هذا المعتقل ، يجده شخص لم يتوقع احد أن يراه ، ومن برأيكم هو هذا الشخص ؟
نعم انه ذلك الطفل الصغير (ابن جاره) وبعد 25 سنة ، عرف الطفل ذلك المعتقل ولكنه لم يعرفه فبالتأكيد قد أصبح رجلا شابا قد تغيرت كل ملامحه ، ولكن الطفل لم ينسى ذلك الرجل الحنون الذي لم يبخل عليه بلعبة أو بقطعة حلوى واعتبره كأولاده ، التقى به في المعتقل وكان ذلك الشاب يعمل جنديا هناك، فاتصل بأقارب المعتقل ليبشرهم انه ما زال حيا وانه تم نقله إلى هذا المعتقل ...
بالله عليكم هل خطر في بال احد أن بعد كل هذه السنين سَيَرُد ذلك الطفل المعروف لصاحبه ، وفي أصعب المواقف التي مرَّ بها هذا الرجل المعتقل ، ذلك كله لنعلم أن الله لا يضيع اجر المحسنين ...
لم يكن ما كتبتُه شيء من الخيال ، أو قصة من الماضي ، هي قصة حدثت قبل أيام ، لتخبرنا أن الإحسان جزاؤه الإحسان ،حتى ولو كان من اصغر الأعمال ...
فأوصيكم أحبتي في الله لا تضيعوا فرصة قد منحها الله لكم عندما تمسحون على رأس طفل ، او ان تهدون آخر لعبة بسيطة ، لكي ترون أجمل بسمة ترسمها شفاههم البريئة ، وتحصدون الخير من ذلك سواءا في الدنيا أم دار البقاء .
سجى العزاوي