موعظة عن الموت
محمد زراك إمام وخطيب بالمغرب
الحمد لله الذي جعل الموت للمؤمن نعمة وراحة، سبحانه وتعالى شرع للمسلمين شرائع تجعل الوجوه يوم القيامة بفضل ربها ناضرة،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، حكم بعدله على وجوه أن تكون يوم القيامة باسرة، تظن أن يفعل بها فاقرة، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي بعث بصلاح الدنيا والآخرة، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم القيامة، }يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ{
أما بعد فيا أيها المسلمون: ونحن نسير في دروب الحياة، ونتقلب على هذه الأرض، كم نحن بحاجة إلى وقفة روحانية، وقفة نجدد فيها الإيمان في القلوب، ونزيل عنها غبار الغفلة والذنوب.
تعالوا بنا في خطبة اليوم، نجلس مع أنفسنا جلسة مصارحة وتزكية ، نقلب فيها بعض الصفحات، ونستلهم شيئاً من العظات، لعل الله تعالى أن يجمعنا في غرفات الجنات.
أتحدث إليكم اليوم عن حقيقة عظيمة من حقائق الإيمان، من أنكرها كفر، وأصلاه الله سقر، حقيقة عظيمة أوصانا النبي r بكثرة ذكرها، ومع هذا فالكثير منا يشمئزون عند ذكرها، ولا يحبون الحديث عنها. إنها حقيقة الموت، يقول الله سبحانه: }كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ{
عباد الله: ونحن في غفلة الحياة، كثيرًا ما نفاجأ باتصال أو رسالة أو غير ذلك أن فلانًا مات، وقد كان في كامل صحته وعافيته، وذلك مصداق حديث أنسy أن النبي r قال (من علامات اقتراب الساعة أن يظهر موت الفجأة) عجبًا لنا! كيف نتجرؤ على الله وأرواحنا بيده؟! وكيف نستغفل رقابته والموت بأمره ؟
وقد روي أن ملك الموت دخل على داود عليه السلام فقال له سيدنا داوود: من أنت؟ فقال ملك الموت: أنا من لا يهاب الملوك، ولا تمنع منه القصور، ولا يقبل الرشوة، قال: فإذًا أنت ملك الموت، قال: نعم، قال: أتيتني ولم أستعد بعد! قال: يا داود، أين فلان قريبك؟ أين فلان جارك؟ قال: مات، قال: أما كان لك في هؤلاء عبرة لتستعد؟!
كم من قريب دفناه، وكم من حبيب ودعناه، ثم نفضنا التراب من أيدينا وعدنا إلى دنيانا، لنغرق في ملذاتها.
وورد أن نبيَّا من الأنبياء عليهم السلام قال لملك الموت: أما لك رسول تقدِّمه بين يديك ليكون الناس على حذر منك؟! قال: نعم, عندي رسل كثيرة ،الإعلال والأمراض والشيب والهموم وتغيُّر السمع والبصر، فإذا لم يعتبر من نزل به ذلك، فإني أقول له عند سَلِّ روحه: لقد أرسلتُ إليك رسولاً بعد رسول ونذيرًا بعد نذير، فأنا الرسول الذي ليس بعده رسول، والنذير الذي ليس بعده نذير.
عباد الله: وصية سيدنا محمد r (أكثروا من ذكر هادم اللذات، فما ذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه، ولا سعة إلا ضيقها) كلام مختصر وجيز، قد جمع التذكرة، وأبلغ في الموعظة .وقد قيل: من أكثر ذكر الموت أكرم بثلاثة: تعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاط العبادة، ومن نسي الموت عوجل بثلاثة: تسويف التوبة، وترك الرضا بالكفاف، والتكاسل بالعبادة.
واعلموا أن تذكّر الموت لا يعني كثرةَ الحزن وطول النحيب، مع الإقامة على التفريط، إن تذكرنا للموت يجب أن يقترن بخوفنا من سوء الخاتمة، لأن الأعمال بالخواتيم، كما في حديث ابن مسعودy. يقول الصادق المصدوق rفو الله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها).
فياليت شعري ، كيف تكون خاتمتنا ، وبم يختم الله أعمارنا وأعمالنا؟
لما حضرت محمدَ بن المنكدر الوفاة بكى، قيل له: ما يبكيك؟ قال: والله ما أبكي لذنب أعلم أني أتيته، ولكن أخاف أني أتيت شيئًا حسبته هينًا وهو عند الله عظيم.
واسمع معي لسعيد بن جبير رضي الله عنه وهو يقول: لما مات ابن عباس رضي الله عنه بالطائف، جاء طائر لم يرَ على خلقته مثله فدخل نعشه، ثم لم يخرج منه، فلما دفن إذا على شفير القبر، تالٍ يتلو، لا يُرى (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي)، فيا لها من خاتمة، ويالهُ من مصير.
فيا من من قطعت صلتك بالمساجد، ماذا تقول إذا بلغت الروح الحلقوم؟! ويا من أنشأت أولادك على الفساد، وجلبت لهم ما يسيء إلى القيم والاعتقاد؟! ويا من أدمنت الخمور والمخدرات ووقعت في الزنا وهتك الحرمات؟! ويا من ظلمت العباد وسعيت بالفساد؟! هل ستوفق للنطق بالشهادتين عند الموت أم يحال بينك وبينها ؟! (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَـٰعِهِم مّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ فِي شَكّ مُّرِيبِ) .
يا هاتِكَ الحرمات لا تفعَل، يا واقعًا في الفواحشِ أما تستحي وتخجَل؟! يا مبارزًا مولاكَ بالخطايا تمهَّل، فالكلام مكتوب، والقولُ محسوب، (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) اللهم اختم لنا بخاتمة حسنى، نفعني الله...
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على نبيه المصطفى، وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه واقتفى، وعنا معهم برحمتك يا خير من تجاوز وعفى.
أما بعد فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن رسول الله r مر بقبرٍ فقال: ((من صاحب هذا القبر؟)) فقالوا: فلان، فقال: ((ركعتان أحبّ إلى هذا من بقية دنياكم)) وفي رواية قال : ((ركعتان خفيفتان مما تحقرون وتنفلون يزيدها هذا في عمله أحب إليه من بقية دنياكم)).
الله أكبر .. غاية أمنية الميت المقصر أن يُمدَّ له في أجله ليركع ركعتين يزيد فيها من حسناته ويتدارك ما فات من أيام عمره في غير طاعة، فأين نحن من هذا المقام.
فإذا هممتَ بمعصية، تذكّر أماني الموتى، تذكّر أنهم يتمنّون لو عاشوا ليطيعوا الله، إذا فترت عن الطاعة، تذكّر أماني الموتى، واجتهد في الطاعة، وبادر إلى التوبة قبل أن يأتيك الموت بغتة، فتقول: يا ليتني قدمت لحياتي، فلا تضيع دقائق عمرك ، لئلا تتحسر في آخرتك .. (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنْ السَّاخِرِينَ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنْ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ) .
ألا فاتقوا الله عباد الله وساهموا في إكمال بناء هذا المسجد المبارك، فإن الله تعالى لا يضيع أجر المحسنين،...هذا وأكثروا من الصلاة والسلام على النبي الأمين، فقد أمركم بذلك مولانا الكريم: إن الله وملائكته يصلون على النبى ياأيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما...اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد... وارْضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة الأكرمين، خصوصا الأنصار منهم والمهاجرين،وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم وفق للخير أمير المؤمنين محمدا السادس، اللهم انصره نصرا عزيزا تعز به الدين، وتجمع به شمل المسلمين، اللهم بارك له في ولي عهده المولى الحسن، واشدد اللهم أزره بصنوه مولاي رشيد، واحفظه اللهم في جميع الأسرة الشريفة يارب العالمين. اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمين ، وأذِلَّ الشرك والمشركين، وأَدِمْ عَلَى بلدنا الأَمْنَ والأَمَانَ وَعلَى سَائِرِ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ.
اللهم بارك في كل ساهم في بناء هذا المسجد، اللهم جازهم بالثواب الجزيل، وزدهم من فضلك العظيم، اللَّهُمَّ إنَّا نسألُكَ الجنةَ لنَا ولوالدينَا، ولِمَنْ لهُ حقٌّ علينَا،ولمن وصانا بالدعاء وللمسلمينَ أجمعينَ...اللَّهُمَّ تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ وَأَحْيِنَا مُسْلِمِينَ وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ غَيْرَ خَزَايَا وَ لاَ مَفْتُونِينَ، واجعلنا لحوض نبيك من الواردين، ولكأسه من الشاربين، وإلى أعلى جناتك سابقين}سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين (