الجمعة ودورها في الإصلاح
محمد زراك إمام وخطيب بالمغربالحمد لله الملك العلام، جعل يوم الجمعة سيد الأيام، فقدمه هدية خاصة بأمة الإسلام، نحمده تعالى حمدا كثيرا على نعمه وآلائه الجسام. وأشهد أن لا إله إلى الله وحده لا شريك له، لا تأخذه سنة ولا ينام. وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله سيد الأنام، دعا إلى شريعة تطهر الأرواح والأجسام، فنال عند الله مراتب الإحسان والإكرام، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الكرام، وعلى التابعين لهم بإحسان مادمت الأيام والأعوام.
) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(
أما بعد فيا أيها المؤمنون! لسم الله وعلى بركة الله، أصعد هذا المنبر، والله تعالى أسأل أن يجعل عملنا في رضاه، وأن يوفقنا لهداه وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
عباد الله: إن الإسلام يريد للمؤمنين أن يتذكروا، ويذكروا فتنفعهم الذكرى، يريد منهم أن يتناصحوا فيما بينهم، يريد لهم أن يستعرضوا مشاكلهم الأسبوعية، فيبحثو لها عن حلول شرعية، يريد لهم أن يتعلموا أمور دينهم ليمارسوا على مقتضاها أمور دنياهم، يريد لهم أن يكونوا على اتصال دائم بخالقهم عز وجل، وأن يستمر تجديد الإيمان في قلوبهم.
أتدرون أيها الاخوة في الله ما الذي شرعه الإسلام ليؤدي هذه المهمة ؟ إنه يوم الجمعة، بخطبته التي تعالج الأحداث التي يعيشها المسلم طيلة الأسبوع، فتبين له الفضائل ليتحلى بها، والرذائل ليتخلى عنها. إنه يوم الجمعة بخطبته التي لا تصح صلاة الجمعة إلا بها، والتي تعد من خصائص الإسلام، والتي تجدد الإيمان في قلوب المؤمنين كلما ران عليها ما كانوا يكسبون.
عباد الله: إذا ما سلطنا الأضواء الكاشفة على يوم الجمعة نجده حقا مدرسة تربوية كبرى! يجلس المسلم في فصلها الدراسي الذي عقده معلم الأمة الأول r، ليتعلم ويتذكر.
فعندما تستيقظ أيها المسلم يوم الجمعة، تحمد الله تعالى وتشكره حين جعل من عمرك هذا اليوم المبارك، فكم من أناس أدركهم الموت، فلم يدركوا يومهم هذا، فهم في قبورهم محتجزون، وبأعمالهم مرتهنون، وبما قدمت أيديهم في هذه الحياة مجزيون، ونحن إلى ما صاروا إليه صائرون، فهم السابقون ونحن اللاحقون، فلا تنسوهم في دعواتكم الصالحة؛بأن يتجاوز الله عن خطيئاتهم ويرحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه، فعندما تلمس شغافَ قلبك نسماتُ الجمعة ونفحاتُه، تكثر من الدعاء والصلاة على رسول الله r فعن أبي هريرةy أن النبي r قال: «خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة ». ويقول النبي r: «أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة، وليلة الجمعة، فمن فعل ذلك كنت له شهيدا وشفيعا يوم القيامة» وروى الإمام مسلم أنه r قال: «إن في الجمعة ساعة لا يوافقها مسلم يسأل الله فيها خيرا إلا أعطاه إياه». فبالدعاء والصلاة على الرسول r يكون المسلم صالحا في قلبه وإيمانه، طاهرا في مخبره وضميره.
وبعد ذلك يا عبد الله تطهر جسدك ومظهرك، وتضع ما لديك من الروائح الطيبة، لأن يوم الجمعة هو يوم الطهارة والنظافة، فقد روى ابن ماجه أن رسول الله r قال«إن هذا يوم عيد جعله الله للمسلمين، فمن جاء إلى الجمعة فليغتسل، وإن كان له طيب فليمس منه وعليكم بالسواك» ولاَ ينبغِي أنْ يأتِيَ الإنسانُ لصلاةِ الجمعةِ بِملابسَ لاَ تتناسبُ معَ قدسيةِ الصلاةِ ومكانةِ المسجدِ ، والمرأة في هذا مثل الرجل إلا أنها لا يجوز لها أن تضع الروائح الطيبة ثم تخرج، لأن ذلك فتنة لها ولعرضها فقد روى أحمد والنسائي عن أبي موسىy أن نبينا الأمين، عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم قال: «أيما امرأة استعطرت، ثم خرجت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية، وكل عين زانية».
وبعد الغسل والنظافة تتوجه يا عبد الله إلى الجمعة وقد قسم لنا الرسولr الناس في ذلك إلى خمسة أفواج، كل حسب سبقه وثوابه، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَy أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ rقَالَ: «مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ، ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» فمن تأخر بعد ذلك دون عذر ولا ضرورة، فقد فاته أجر ما بين الناقة والبيضة، ومن الناس من يأتي باكرا مع فوج الناقة، فيجلس فِي آخرِ المسجدِ ويترك أوَّلَهُ خاليًا، فيضطرَّ مَنْ أتَى بعدَ ذلكَ إلَى تخطِّي الرقابِ فلاَ تضيِّعْ ثوابَكَ أيهَا المصلِّي بشيءٍ يمكنُ تجنُّبُهُ.
وعندما تدخل يا عبد الله إلى المسجد، تجلس حيث انتهت الصفوف، لأن تخطيَ الرقاب حين يخطب الإمام حرام، لما فيه من إيذاء المستمعين، واحرص علَى الاستماعِ إلَى الخُطْبةِ، وتجنُّبِ اللَّغو والعبثِ أثناءَ الاستماعِ إليْهَا، يقول النبي r فيما روى البخاري: «من اغتسل يوم الجمعة وتطهر فأحسن طهوره، ولبس من أحسن ثيابه، ومس ما كتب الله من طيب أهله، ثم أتى الجمعة ولم يَلْغُ، ولم يفرق بين اثنين، غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخيرة».
اللهمَّ اغفر لنا أجمعين، واجعلنَا مِمَّنْ يطبقُ آدابَ هذَا اليومِ العظيمِ، إنَّك أنتَ السَّميعُ العليم أقول قولي..
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين.....أمابعد فاتقوا الله عباد عباد الله!
وتذكروا وأنتم تعيشون نفحات الجمعة المباركة، بأمن وأمان، وراحة واطمئنان، بعض البلاد الاسلامية، التي أهلكتها الحروب، يتعرض أهلها للقصف الغاشم، الذي لا يميز بين الرضيع والطفل الصغير، ولا المرأة ولا المريض ولا الشيخ الكبير، يفترشون التراب ويلتحفون السماء، من نجى منهم من القصف مات من الجوع، ومن حاول منهم الهرب قتل، ومن لزم بيته سحق، قد أصبح تشييع الجنازات عندهم من العادات.
فاشكروا الله عباد الله، على ما نحن فيه من أمن وسلام، ولا تنسوا في دعواتكم الصالحة؛ بأن يديم على بلادنا الأمن والأمان، وعلى سائر بلاد المسلمين.
تذكروا أيها المؤمنون وأنتم تعيشون نفحات الجمعة المباركة، بالملابس الجيدة، والروائح الطيبة، الفقراء والمساكين،والضعفاء والمحتاجين، فلا تنسوهم من مد يد المساعدة، إما بمال أو لباس أو طعام )وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا(
ألا فاتقوا الله عباد الله واشكروا الله على ما أنتم فيه من نعم وخير. وصلُّوا وسلِّمُوا عَلَى النبي الأمين، فقد امركم...
اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارك .... وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء، أهل الصدق والوفاء، وعن بقية الصحابة الشرفاء، اللهم ثبت في قلوبنا محبتهم، وأحينا على سنتهم، وأمتنا على ملتهم، واحشرنا في زمرتهم...
اللهم وفق للخير أمير المؤمنين محمدا السادس، اللهم انصره نصرا عزيزا تعز به الدين، وتجمع به شمل المسلمين، وبارك له في ولي عهده المولى الحسن، وفي جميع الأسرة الشريفة يارب العالمين.....اللَّهُمَّ احفَظْ بلدنا مِنَ الفتَنِ مَا ظهَرَ منْهَا ومَا بطَنَ، وأَدِمْ عَلَينا الأَمْنَ والأَمَانَ وَعلَى سَائِرِ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ
اللَّهُمَّ إنَّا نسألُكَ الجنةَ لنَا ولوالدينَا، ولِمَنْ لهُ حقٌّ علينَا، وللمسلمينَ أجمعينَ.
اللَّهُمَّ أَرِنَا الْحَقَّ حَقًّا وارزُقْنَا اتِّبَاعَهُ، وَأَرِنَا الْبَاطِلَ بَاطِلاً وارزُقْنَا اجْتِنَابَهُ، اللَّهُمَّ أصْلِحْ لَنِا نياتِنَا، وبارِكْ لَنَا فِي أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا، وَاجْعَلْهم قُرَّةَ أَعْيُنٍ لنَا، واجعَلِ التوفيقَ حليفَنَا، وارفَعْ لنَا درجاتِنَا، وزِدْ فِي حسناتِنَا، وكَفِّرْ عنَّا سيئاتِنَا، وتوَفَّنَا معَ الأبرارِ، ربنا اغفر لنا ...