دروس ليالي رمضان: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ
13رمضان 1435 / 11 يوليوز 2014
محمد زراك إمام وخطيب المسجد الكبير بأولاد برحيل المغرب
أما بعد فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نسأل الله يتقبل منا الصيام والقيام، وان ييسر أمورنا، ويبارك لنا في أعمارنا وأعمالنا، وأزواجنا وذرياتنا، وأن يرحمنا ويتوب علينا أجمعين آمين
أيها المؤمنون! كنا البارحة في رحاب تفسير قوله سبحانه يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ فتعالوا بنا الليلة نقف بكم مع آية أخرى من آيات القرآن الكريمات، وسنحاول أن نصل بها إلى قلوبنا حتى تطمئن وتزداد إيمانا هذه الآية هي قوله تعالى إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ
أيها المؤمنون! إن من الحقائق الثابتة، أن الإنسان مخلوق ضعيف، تستهويه المناظير الجميلة وإن كانت حراما، ويحلو له أن يتمتع غير مبال بالحلال والحرام، ومن الصعب أن يتمالك نفسه عندما يسمع الدراهم والمليون، وأن يتمالك نفسه أمام شهوة من الشهوات، فكان بذلك مهيأ لارتكاب الذنوب، فاحتاج إلى شي يمحو به هذه الذنوب، لذلك يقول الله سبحانه إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ
ولكي تفهموا معنى هذه الآية، أربطكم بقصة كانت سبب نزولها: (ارتكب رجل ذنبا، حيث أصاب من امرأة قُبْلة، فندم على ذلك وجاء إلى النبي يخبره بذلك ؛ فسكت النبي حتى نزلت هذه الآية الكريمة، فدعاه فقرأها عليه: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ فلما قرأها عليه، قال رجل من الصاحبة: أهذا له خاصة؟ فقال: بل للناس عامة) ومعنى يذهبن: تمحها، كما في هذا الحديث: (وأتبع السيئة الحسنة تمحها)
وقد أكد الرسول هذا المعنى وبيَّنه ووضحه (حينما جَاءَه رَجُلٌ وهو في المسجد فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ فَسَكَتَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ أَعَادَ فَقَالَ إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ فَسَكَتَ عَنْهُ وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَمَّا انْصَرَفَ نَبِيُّ اللَّهِ قَالَ أَبُو أُمَامَةَ لَحِقَ الرَّجُلُ رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ،فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ أَرَأَيْتَ حِينَ خَرَجْتَ مِنْ بَيْتِكَ أَلَيْسَ قَدْ تَوَضَّأْتَ فَأَحْسَنْتَ الْوُضُوءَ قَالَ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ ثُمَّ شَهِدْتَ الصَّلَاةَ مَعَنَا فَقَالَ نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ فاذهب فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ ذَنْبَكَ)
ويَقُولُ رسول الله : " أَذْنَبَ رَجُلٌ ذَنْبًا ، فَقَالَ : أَيْ رَبِّ أَذْنَبْتُ ذَنْبًا فَاغْفِرْهُ لِي، -وهذا استغفار والاستغفار من الجسنات- فيقول الله تعالى عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ، قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، قَالَ : ثُمَّ لَبِثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا آخَرَ، فَقَالَ : أَيْ رَبِّ أَذْنَبْتُ ذَنْبًا آخَرَ فَاغْفِرْهُ لِي ، فيقول الله تعالى: عَلِمَ عَبْدي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ ، قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ، قَالَ : ثُمَّ لَبِثَ مَا شَاءَ اللَّهُ فَأَذْنَبَ ذَنْبًا ، فَقَالَ : أَيْ رَبِّ أَذْنَبْتُ ذَنْبًا فَاغْفِرْهُ لِي ، فيقول الله تعالى عَلِمَ عَبْدي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ ، قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ "الله أكبر
أيها المؤمنون! كلنا بشر والبشر أصحاب ذنوب، وما من بشر إلا وله أخطاءُ وعثرات، ولكل جواد كبوة كما يقال ، وسبيل النجاة من هذه الذنوب انك كلما عملت سيئة فأتبعها حسنة، وكلما عملت معصية فأتبعها طاعة، لا يغيب عن أذهانكم أن الشيطان بكى حين نزل قوله تعالىوَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ
وهنا سؤال يطرح نفسه مباشرة أمامنا، ما هي الأمور التي يمحو الله بها السيئات؟؟ الجواب: هي أمور كثيرة نذكر بعضها:
منها صيام وقيام رمضان فمن صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه
ومن المطهرات الوضوء: يقول رَسُولَ اللَّهِ إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَت مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَت مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ مَعَ الْمَاءِ حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ". فمن اليوم فصاعدا-يا أحبابي- نتوضأ بنية عبادة الله وتطهير أنفسنا من الذنوب.
ومن المطهرات: الصلوات الخمس:يقول رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ ، هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ ؟ ، قَالُوا : لا ، قَالَ : فَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا
ومن المطهرات الحجّ المبرور وقراءة القرآن والأذكار والصدقات وغيرها كثير.
أيها المؤمنون! انتبهوا جيدا لما سأقول: الله سبحانه جعل لنا أشياء يزيل بها عنا هذه المعاصي حتى نكون من الفائزين بالجنة، جعلنا الله وإياكم من أهل الجنة.
يقول ابن القيم -رحمه الله- إن أسباب النجاة والتخلص من الذنوب عشرة: أربعة منها في الدنيا وثلاثة في القبر وثلاثة يوم القيامة.
أربعة منها في الدنيا وهي: التوبة والاستغفار و الحسنات الماحية والمصائب المُكَفِّرة.
فإن بقي شيء من الذنوب، طُهّر في القبر بِثلاثة أشياء:
دعاء المسلمين له و عذاب القبر ثم ما يُهْدى إليه من الإعمال.
فإن بقي شيء من الذنوب، طهر يوم القيامة بثلاثة أشياء
أهوال يوم القيامة وشفاعة الشفعاء و عفو الله عز وجل.
فإن لم تطهره هذه العشرة دخل جهنّم ليتطهّر، ولتحترق الذنوب الباقية، فإذا تطهّر أُخْرِجَ من النار وأدخل الجنّة.
اللهم إن أجسادنا على النار لا تقوى، اللهم حرم أجسادنا على النار يارب العالمين.
كنا اليوم مع تفسير قوله سبحانهإِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه والحمد لهض رب العالمين