يَحكون أنَّ فقهياً كان يمشي في أحد الطرقات ،وإذا بلصٍّ يمد يده ، ويخطفالقُبعة التي كانت على رأسه ، ثم يُطلق ساقيهللريح ، فما كان من الفقيهإلا أن أخذ يجري خلف اللص ، وهو يقول : وَهَبتُك، قل قَبِلت ، وهبتُك قلقبلتُ ... قد شعر الفقيه بأن من المؤكد أن الحاجةالمُلَّحة هي التي دفعتذلك الرجل إلى أن يرتكب جناية من أجل الحصول علىشيء لا يكاد يساوي خمسةدراهم ، فَرقَّ قلبه له ، وأحب أن يُعلمه بأن له أنيمضي بالقبعة على أنهاهدية أو هبة ، حتى يشعر براحة الضمير وهدوء الخاطر .
نحن اليوم في حاجة ماسَّة إلى طريقة تفكير ذلك الفقيه وإلىرِقَّة قلبهونبل عواطفه ... حيث إن كثيراً من الأخطاء والتجاوزات التي تقعهنا وهناكلا تصدر في الغالب من أشخاص شرِّيرين أو عدوانيين ، إنها تصدر منأشخاصيمرون بظروف حرجة ، وقاهرة تجعلهم يخضعون لضغوطاتها ، فيفقدونرشدهموصوابهم ، وتصدر من أشخاص يمرون بلحظات ضعف أمام مغريات قوية ،وأشخاصأساؤوا الفهم ، فساء سلوكهم ، وساءت مواقفهم ... وهكذا فإنالمعرفةالكاملة صفح كامل . من السهل أن نتهم ، وأن نسيء الظن ، وأننعاتب،ونعاقب، لكن من الصعب أن نتفهم دوافع السلوك السيِّئ والموقف الرديء، ومنالصعب أن نعذر ، وأن نصفح ، ونواسي ، إن هذه الأمور تحتاج إلى شفافيةورقةوإبداع .
ما أجمل ونحن في بداية عام جديد أن نعقد العزمعلى أن نقبس من روح ذلكالفقيه وكرم ذاته حتى نرسِّخ في أعماقنا معانيالعفو والتسامح والشفقة ...
إننا حين نقع في خطأ شنيع نبحثبجدية ومثابرة عن أولئك الذين يلتمسون لناالأعذار ، ويتفهمون تداعياتأخطائنا ، مما يوجب علينا أن نفعل ما كنا نرجومن الناس أن يفعلوه ،وينهضوا إليه .
التسامح هو القوة الناعمة التي تغري بموقف ذلك الفقيه ممن خطف قُبَّعته