[size="5"]بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله
طوبى للغرباء ..
هذا الحديث صحيح رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: { بدأ الإسلام غريبا وسيعودغريبا كما بدأ فطوبى للغرباء } وهو حديث صحيح ثابت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
زاد جماعة من أئمة الحديث في رواية أخرى: قيل يا رسول الله من الغرباء؟ قال الذين يصلحون إذا فسد الناس وفي لفظ آخر: الذين يصلحون ما أفسد الناس من سنتي وفي لفظ آخر: هم النزاع من القبائل وفي لفظ آخر: هم أناس صالحون قليل في أناس سوء كثير .
ما هي الغربة
الغربة التي وصف النبي صلى الله عليه وسلم : هي غربة العقيدة والسلوك وهي الوجهة التي يسير بها العبد إلى الله من خلال عقيدته ودينه ... فإن صاحبها يعيش وحيدًا وإن ازدحم من حوله الناس و يكون مستوحشاً بين جماهير الناس ومستأنساً بخلوته عن الناس مع الله سبحانه و تعالى
هذه الغربة ليست وحشة على صاحبه
بل هو آنس بتوحد وإخلاص محتبه إلى الله تعالى
ويكون أشد وحشة إذا إشتهر بين الناس واستأنسوا به
في حديث القاسم عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، عن الله عز وجل قال:
"إن أغبط أوليائي عندي لمُؤمن خفيف الحال، ذو حظٍّ من صلاة أحسن عبادة ربه وكان رزقه كَفافا وكان مع ذلك غامضا في الناس لا يُشار إليه بالأصابع -ليس من المشاهير ولا المعروفين- وصبر على ذلك حتى لقيَ الله ثم حلَّت منيتُه وقلَّ تراثه وقلَّت بواكيه"
الإسلام و حاله
فالإسلام بدأ قليلا غريبا في مكة لم يؤمن به إلا القليل أكثر الخلق عادوه وعاندوا النبي صلى الله عليه وسلم وآذوه
وآذوا أصحابه الذين أسلموا ثم انتقل إلى المدينة مهاجرا وانتقل معه من قدر من أصحابه وكان غريبا أيضا حتى كثر أهله في المدينة وفي بقية الأمصار
ثم دخل الناس في دين الله أفواجا بعد أن فتح الله على نبيه مكة عليه الصلاة والسلام
فأوله كان غريبا بين الناس وأكثر الخلق على الكفر بالله والشرك بالله وعبادة الأصنام والأنبياء والصالحين والأشجار والأحجار ونحو ذلك
ثم هدى الله من هدى على يد رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وعلى يد أصحابه
فدخلوا في دين الله وأخلصوا العبادة لله وتركوا عباده الأصنام والأوثان والأنبياء والصالحين وأخلصوا لله العبادة
فصاروا لا يعبدون إلا الله وحده؟ لا يصلون إلا له؟ ولا يسجدون إلا له؛ ولا يتوجهون بالدعاء والاستعانة وطلب الشفاء إلا له سبحانه وتعالى
لا يسألون الناس ولا يطلبون منهم المدد ولا يستغيثون بهم ولا يستغيثون بالأصنام والأشجار والأحجار ولا بالكواكب والجن والملائكة
بل لا يعبدون إلا الله وحده سبحانه وتعالى
ولكن ... كما هي سنة الله ... كل شيء يتغيَّر لا يبقى شيء على حال فدوام الحال من المحال
إن هذا الدين الذي قوي وانتشر وعمَّ الآفاق ستُصيبه غُربة في آخر الزمان
وهكذا في آخر الزمان المؤمنين يستقيمون على دين الله عندما يتأخر الناس عن دين الله وعندما يكفر الناس
وعندما تكثر معاصيهم وشرورهم و يصبح أهل الله قلة بين الناس
بم ينشغل الغرباء ومن هم ؟
الغرباء ... لقلتهم في الناس سموا غرباء لإن أكثر الناس على غير هذه الصفات.
الناس مشغولون بدنياهم وهؤلاء مشغولون بدينهم
الناس مشغولون بالفرار إلى الخلق وهؤلاء يفرون إلى الله: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} [الذريات:50].
الناس يعملون لأمور تافهة وهؤلاء يعملون لإحياء سُنة النبي صلى الله عليه وسلم ويُعلمون الناس ...
ولهذا كانوا غرباء بين الناس.
فأهل الإسلام في الناس غرباء
والمؤمنون في أهل الإسلام غرباء
وأهل العلم في المؤمنين غرباء
وأهل السنة الذين يُميِّزونها من الأهواء والبدع فيهم غرباء
والداعون إليها الصابرون على أذى المخالفين هم أشد هؤلاء غُربة
أن الغرباء هم أهل الاستقامة الذين يصلحون عند فساد الناس إذا تغيرت الأحوال والتبست الأمور وقلَ أهل الخير ثبتوا هم على الحق واستقاموا على دين الله ووحدوا الله وأخلصوا له العبادة
واستقاموا على الصلاة والزكاة والصيام والحج وسائر أمور الدين
حتى يكون الغريب منهم ليس له رفيق..
حتى يكون الملتزم منهم قابضاً على الجمر من أذى فتن الناس له في دينه...
حتى لا يجد الناصح منهم من يستمع إلى نصيحته إلا وهم به يستهزئون...
حتى لا يسلم الصادق منهم ممن يدعون عليه كذباً وبهتاناً وزوراً ...
حتى لا يجد التقي منهم إلا أن يعتزل الناس حتى لا يفتنوه ولا يؤذوه في دينه ...
حتى يجد أولي العزم منهم كثيراً من الناس يتفرقون عنه ولا يطيقون الجلوس معه حتى لا يسمعوا منه نصحاً
حتى يكون المجاهدون منهم مطاردين في كل بقاع الأرض فلا أرض لهم ...
حتى يصير كل واحد منهم غريباً بين أهله وأحبابه فيشق عليه ذلك ولا يجد ملجأ من الله إلى إليه
فيأتيه اليقين .... وينزل الله السكينة على قلبه ويثبته .... فلا يبقى منه على هذه الأرض إلا جسد من الأرض ويعود إليها .... بينما الروح قد سمت إلى مكان أعلى وأسمى ....
طوبى للغرباء..
ومعنى الطوبى: أي الفرحة وقرة العين والغبطة والسرور... وهي الجنة
يستقيم هؤلاء الغرباء على طاعة الله ودينه فلهم الجنة والسعادة ولهم العاقبة الحميدة
في الدنيا من الهداية والثبات والزرق وحسن خاتمة وفي الآخرة الجنة
طوبى للغرباء .. لأنهم يدعون الناس إلى عبادة الله لا عبادة من سواه .. ويعملون على إخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ..
طوبى للغرباء .. لأنهم فهموا علة الوجود .. وعرفوا الغاية التي خلقهم الله من أجلها ..
طوبى للغرباء .. لأنهم على العهد ثابتون .. لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم ..
طوبى للغرباء .. لأنهم يصلحون إذا فسد الناس ..
طوبى للغرباء .. لأنهم الصالحون والمصلحون .. العاملون والمعلِّمون ..
طوبى للغرباء .. لأنهم توابون متطهرون .. متجردون لله ومخلصون له في أفعالهم وأقوالهم ..
طوبى للغرباء .. لأن دين الله عندهم أغلى من متاع الدنيا وما فيها ..
طوبى للغرباء .. لأنهم يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ..
طوبى للغرباء .. لأنهم يشعرون بآلام إخوانهم ..
طوبى للغرباء .. لأنهم قلب هذه الأمة النابض .. وهم من يسعى لعزتها ورفعتها وإعلاء شأنها ..
طوبى للغرباء .. لأنهم يستعينون بالله وحده في قضاء حوائجهم .. ولا يذلون أنفسهم لغير الله تعالى
عدم اليأس و التشاؤم
عودة الإسلام غريبا كما بدأ ليس نظرة تشاؤمية تأييسية كما يُريد بعض الناس أن يفهموا من هذا الحديث أن ييأسوا ... ويقصد به دعوة الناس للعودة إلى دين الله حتى لا يصبح مهجوراً ولكنها سنة الله تعالى واقع نعيشه وحقيقة جاءت في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق هن الهوى
فاستمسكوا أيها المؤمنون بإيمانكم ولا يُهمكم موقف الناس منكم و أن الله معكم وأن الله وليكم ...
{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد:11].
[/size]