إِنَّ الحَمْدَ لِلهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينَهُ وَنَسْتَهْدِيهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَحَدَّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدَهُ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىَ آلِهُ وَأَصْحَابِهِ وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا كَثِيرا، أَمَّا بَعْدُ:
عَبَّادَ اللهِ!
فَاِتَّقَوْا اللهُ جَلَّ فِي عُلَّاهُ فَإِنَّ تَقْوَى اللهِ مُوصِلَةٌ إِلَى الجَنَّةِ، وَطَرِيقٌ إِلَى السَّعَادَةِ، وَاِتَّقِ اللهَ فَتَقْوَىَ اللهَ مَا جَاوَرَتْ قَلْبُ اِمْرِئٌ إِلَّا وَصَلَ.. أَيُّهَا المُسْلِمُونَ!. إِنَّ النَّصْرَ مِنْ اللهِ لِعِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ كَتَبَهُ اللهُ لِمَنْ صَدَقَهُ، كَتَبَ اللهُ لِمَنْ أَخْلَصَ مَعَهُ...
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}([url=file:///E:/%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%AF %D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%87%D8%B1%D9%8A/%D8%AE%D8%B7%D8%A8 %D9%85%D9%81%D8%B1%D8%BA%D8%A9/%D8%AE%D8%B7%D8%A8%D8%A9-%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%88%D9%86%D8%AF-%D9%81%D8%AA%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%88%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%AE-%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%87%D8%B1%D9%8A-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B4%D9%83%D9%8A%D9%84.doc#_ftn1][sup][1][/url])[/sup]
{كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}([url=file:///E:/%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%AF %D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%87%D8%B1%D9%8A/%D8%AE%D8%B7%D8%A8 %D9%85%D9%81%D8%B1%D8%BA%D8%A9/%D8%AE%D8%B7%D8%A8%D8%A9-%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%88%D9%86%D8%AF-%D9%81%D8%AA%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%88%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%AE-%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%87%D8%B1%D9%8A-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B4%D9%83%D9%8A%D9%84.doc#_ftn2][sup][2][/url])[/sup]
{وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ }([url=file:///E:/%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%AF %D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%87%D8%B1%D9%8A/%D8%AE%D8%B7%D8%A8 %D9%85%D9%81%D8%B1%D8%BA%D8%A9/%D8%AE%D8%B7%D8%A8%D8%A9-%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%88%D9%86%D8%AF-%D9%81%D8%AA%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%88%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%AE-%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%87%D8%B1%D9%8A-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B4%D9%83%D9%8A%D9%84.doc#_ftn3][sup][3][/url])[/sup]
{إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ }([url=file:///E:/%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%AF %D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%87%D8%B1%D9%8A/%D8%AE%D8%B7%D8%A8 %D9%85%D9%81%D8%B1%D8%BA%D8%A9/%D8%AE%D8%B7%D8%A8%D8%A9-%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%88%D9%86%D8%AF-%D9%81%D8%AA%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%88%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%AE-%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%87%D8%B1%D9%8A-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B4%D9%83%D9%8A%D9%84.doc#_ftn4][sup][4][/url])[/sup]
{وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}([url=file:///E:/%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%AF %D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%87%D8%B1%D9%8A/%D8%AE%D8%B7%D8%A8 %D9%85%D9%81%D8%B1%D8%BA%D8%A9/%D8%AE%D8%B7%D8%A8%D8%A9-%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%88%D9%86%D8%AF-%D9%81%D8%AA%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%88%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%AE-%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%87%D8%B1%D9%8A-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B4%D9%83%D9%8A%D9%84.doc#_ftn5][sup][5][/url])[/sup]
وَلِذَلِكَ رَبَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْصَحَابَةَ عَلَى أَنَّ النَّصْرَ مِنَ اللهِ فَفَتَحُوا البِلَادَ وَالعِبَادَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ، وَأَبْلَوْا بَلَاءً حَسَنًا؛ فَالكَلَامُ عَنْ أَهْلِ الجَنَّةِ فِيهِ سِلْوَانٌ عَظِيمٌ، وَفِيهِ الاِقْتِدَاءُ وَفِيهِ التَّعْلِيمُ، وَفِيهِ أَنْ يَرْجِعُ المُسْلِمَ إِلَى أَصَالَتِهِ وَإِلَى دِينِهِ وَإِلَى الفَخْرِ مِنْ آبَائِهِ وَرِجَالِهِ..
{رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} ([url=file:///E:/%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%AF %D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%87%D8%B1%D9%8A/%D8%AE%D8%B7%D8%A8 %D9%85%D9%81%D8%B1%D8%BA%D8%A9/%D8%AE%D8%B7%D8%A8%D8%A9-%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%88%D9%86%D8%AF-%D9%81%D8%AA%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%88%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%AE-%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%87%D8%B1%D9%8A-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B4%D9%83%D9%8A%D9%84.doc#_ftn6][sup][6][/url])[/sup]
وَقَالَ جَلَّ وَعَلَا:
{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ}([url=file:///E:/%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%AF %D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%87%D8%B1%D9%8A/%D8%AE%D8%B7%D8%A8 %D9%85%D9%81%D8%B1%D8%BA%D8%A9/%D8%AE%D8%B7%D8%A8%D8%A9-%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%88%D9%86%D8%AF-%D9%81%D8%AA%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%88%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%AE-%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%87%D8%B1%D9%8A-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B4%D9%83%D9%8A%D9%84.doc#_ftn7][sup][7][/url])[/sup]
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ!
لَقَدْ أَخَذْنَا فِي الأُسْبُوعِ المَاضِي مَعْرَكَةَ القَادِسِيَةِ، المَعْرَكَةُ الإِسْلَامِيَّةَ العَظِيمَةَ، وَإِذَا بِالأَعْدَاءِ يَهْرُبُونَ مِنْ أَمَامَ سَعِدٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَجُيُوشُ الإِسْلَامِ وَمِنْهُمْ مِنْ قُتِلَ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَسْلَمَ وَأَعْلَنَ إِسْلَامَهُ، وَالكَثِيرُ يَهْرَّبُ حَيْثُ يَكُونُ يَزْدَجِردِ كِسْرَي فَإِذَا بِهِ يَهْرَّبُ إِلَى مِنْطَقَةٍ اسْمُهَا جَلُولَاء، وَإِذَا بِسَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَلْحَقُ بِهِمْ حَتَّى عَرَضَ بَيْنَهُ وَبِينَ جَلُولَاء نَهْرُ دِجْلَة النَّهْرُ العَظِيمَ، فَاِسْتَشَارَ أَصْحَابُهُ وَقَالَ: إِنَّي مَاضٍ فِي أَمْرٍ لَمْ يَمْضِ فِيهِ أَحَدٌ قَبْلِي، وَإِنَّي دَاعٍ اللهُ جَلَّ وَعَلَّا، وَأَنَّ اللهَ هُوَ الَّذِي يَنْصُرُنَا وَيَحْفَظُنَا، قَالُوا: مَا عَزَمَتَ عَلَيْهِ يَا سَعِدَ؟ قَالَ: أَنْ يَمْضِيَ جَيْشُ الإِسْلَامِ مِنْ وَسَطِ دِجْلَةَ بَخِيلِهِمْ وَسِلَاحِهِمْ وَعَتَادِهِمْ وَهَذَا الشَّيْءُ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ، فَقَالُوا: يَا سَعِدَ! لَا تُعَرِّضْنَا لِلْمَهْلَكَةِ، قَالَ: إِنَّ اللهَ مَعَنَّا، وَهُوَ وَلَيُّنَا، وَذَكَرَ ذَلِكَ اِبْنُ جَرِيرُ الطَبَرِيُ، وَاِبْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ الله، وَمُؤَرِّخِي أَهَّلَ الإِسْلَامَ، عِنْدَ ذَلِكَ قَالَ سَعِدَ: لِيَتَقَدَّمَ سِتُّمِائَةٍ مِنَ الرِّجَالِ الأَبْطَالُ القِعْقَاعَ وَمَنْ مَعَهُ، فَإِذَا بِهِمْ يَمْضُونَ، وَلَمَّا كَانُوا يَمْضُونَ فِي النَّهْرِ وَيَمْشُونَ بِخِيُولِهُمْ يَقْرَءُونَ الآيَاتُ..
{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا}([url=file:///E:/%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%AF %D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%87%D8%B1%D9%8A/%D8%AE%D8%B7%D8%A8 %D9%85%D9%81%D8%B1%D8%BA%D8%A9/%D8%AE%D8%B7%D8%A8%D8%A9-%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%88%D9%86%D8%AF-%D9%81%D8%AA%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%88%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%AE-%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%87%D8%B1%D9%8A-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B4%D9%83%D9%8A%D9%84.doc#_ftn8][sup][8][/url])[/sup]
فَيَمْشِي تِلْكَ المفْرَزَةِ يَقُودُهُمْ القِعْقَاعَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - حَتَّى وَصَلُوا وَخَاضُوا فِي دِجْلَة وَالنَّهْرِ فَلَمْ يُصِبّْهُم أَذَىَ حَتَّى قَطَعُوهُ مِنْ البَحْرِ الثَّانِي، وَخَرَجُوا إِلَى الجَزِيرَةِ، وَسَعِدَ يَرْفُضُ ذَلِكَ، فَلَمَّا جَاوَزَ أُولَئِكَ أَمْرَ سَعْدَ الجَيْشَ أَنْ يَنْزِلَ أَجْمَعَ عَلَى ذَلِكَ النَّهْرِ وَالنَّاسِ تَنْظُرُ وَالفَرَسُ يَنْظُرُونَ فَيَقُولُونَ وَيُصَيِّحُونَ: دِيوَانًا دِيوَانًا أَيْ مَجَانِينَ مَجَانِينَ، يَمْشُونَ عَلَى النَّهْرِ فَكَيْفَ تُقَاتِلُونَ أُنَاسٌ يَمْشُونَ عَلَى نَهْرٍ عَظِيمٍ، وَيَصِلُ سَعِدٍ بِالجَيْشِ وَيُقَاتِلُهُمْ حَتَّى حَاصَرَهُمْ فِي جَلُولَاء فِي مَعْرَكَةٍ مَذْكُورَةٍ وَمَشْكُورَةٍ لِأُولَئِكَ الأَبْطَالِ فَيَنْتَصِرُوا عَلَيْهِ، وَكَانَ يَرْأَسُهُمْ الهُرْمُزَانْ مِنْ قَبْلُ يَزْدَجِرد، عِنْدَ ذَلِكَ هَرَبَ الأَعْدَاءُ دُونَ قِتَال، فَقَالُوا: مَا الَّذِي جَعَلَهُمْ يَهْرُبُونَ؟ قَالُوا: إِنْ سَعْدَ بَعْثَ رَجُلًا يُكَلِّمُهُمْ، فَقَالَ لِلرَّجُلِ: مَاذَا قُلْتَ لَهُمْ حَتَّى هَرَبُوا؟ قَالَ: لَا أَعْلَمُ مَاذَا قُلْتَ لَهُمْ، قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ، قَالَ: هَذَا الرَّجُلُ المُسْلِمُ لَقَدْ أَعْمَى عَلَى عَيْنِهِ وَتَكَلَّمَ غَيْرَي عَنِّي فَقَالَ: وَاللهِ إِنْ لَمْ تَفْتَحُوا لَنَا الأَسْوَارَ لَنَأْكُلَنَّ عَسَلَ أَفْرَادِيتَ الَّذِي يَقَعُ فِي جِبَالِكُمْ فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ المَلِكْ: إِنَّ المَلَائِكَةَ تَتَكَلَّمُ عَلَى أَلْسِنَتِهُمْ، فَتَرَكُوا تِلْكَ المِنْطَقَةَ وَهَرَّبُوا، ثُمَّ دَخَلُوهَا فَوصَلُوا إِلَى سَعْدٍ فَأَخْبَرُوهُ الخَبَرَ فَقَالَ: إِنَّ المَلَائِكَةَ تَتَكَلَّمُ عَلَى السَّنَةِ الصَّالِحَيْنِ.
سَبِّحَانِّ الَّذِي سَخَّرَ عِبَادِهِ وَمَلَائِكَتِهِ لِأُولَئِكَ الصَحَابَةِ الرِّجَالُ، عِنْدَ ذَلِكَ لَحِقُوهُمْ وَهَرَبُوا مِنْ كُلِ مَكَانٍ، وَمَسَكُوا الهُرمُزَان، وَلَمَّا مَسَكُوا بِهِ أَرَادُوا قَتْلَهُ، فَقَالَ: لَا تَقْتُلُونِي وَاِحْمِلُونِي إِلَى عُمْرِ بِنْ الخَطَّابُ يَصْنَعُ فِي مَا شَاءَ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى عُمْر أَلْبَسُوهُ التَّاجَ الَّذِي كَانَ مَعَهُ، وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ مَلَابِسَ، فَسَأَلُوا عَنْ عُمْرٍ.
أَيْنَ عُمْر؟
فَذَهَبُوا إِلَى بَيْتِهِ، قَالُوا: عُمَر فِي المَسْجِدِ يَحَكُمُ فِي قَضَايَا المُسْلِمِينَ، وَيَسْتَقْبِلُ وَفْدَ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ هُرمُزَان: هَذَا بَيْتُ عُمْرٍ؟! هَذَا الكُوخُ الصَّغِيرَ، البَيْتُ مِنْ طِينٍ، بَيْتُ عُمْرٍ؟! قَالُوا: نَعَمْ، هَذَا بَيْتُ الخَلِيفَةِ، قَالَ: أَيْنَ الخَدَمُ وَالحَاشِيَةُ؟ قَالُوا: لَيْسَ لَهُ خَدَمًا وَلَا حَاشِيَةً، يَخْدِمُ نَفْسَهُ بِنَفسِه- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاه- ثُمَّ يَبْحَثُونَ عَنْ عُمْرٍ فِي المَسْجِدِ فَلَمْ يَجِدُوهُ، وَيَسْأَلُوا الصِّبْيَانُ فَيَقُولُونَ: عُمْر نَائِمٌ تَحْتَ الشَّجَرَةِ وَبِيَدِهِ الدُّرَّةُ وَحِيدًا-رَضِيَ اللهُ عَنْهِ وَأَرْضَاه- فَلَمَّا وُصِلَ وَرَآهُ الهُرمُزَان: مَلِكَ الأَهْوَاز، مَلِكَ جَلُولَاء، قَالَ: هَذَا عُمْرُ أَمِيرِكُمْ، هَذَا خَلِيفَتُكُمْ؟! قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: هَذَا لَا يَصْلِحُ أَنْ يَكُونَ بَشَرًا بَلْ وَنَبِيٌّ مِنْ الأَنْبِيَاءِ، إِنْ كَانَ هَذَا عُمَر فَهُوَ نَبِيٌّ مِنْ الأَنْبِيَاءِ، قَالُوا: صَدَّقَتْ هُوَ يَعْمَلُ بِعَمَلِ الأَنْبِيَاءِ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ.. فَيَسْمَعُ صَوْتَ الخُيُولِ فَيَسْتَيْقِظُ عُمَرَ فَيَرَى الهُرمُزَان عَلَى مَلَابِسِهُ، قَالُوا: يَا أَمِيرَ المُؤَمِّنِينَ هَذَا مَلِكَ الأَهوَاز يُكَلِّمُكَ، فَقَالَ: أَعُوذُ بِاللّهِ مِنْ النَّارِ وَأَهْلِ النَّارِ، قَالُوا: كَلِّمهُ يَا عُمَر، قَالَ: لَا يَتَكَلَّمُ مَعَي عَدُوُ اللهُ حَتَّى يَخْلَعَ مَا عَلَيْهِ مِنْ مَلَابِسَ، وَيَلْبِسُ لِبَاسًا لَا يَتَكَبَّرُ فِيهِ، فَخَلَعُوا مَلَابِسَهُ، وَأَجْلَسُوهُ أَمَامَ عُمْر، فَقَالَ: إِيه يَا هُرمُزَان كَيْفَ أَذَلَّكَ اللهُ وَاَتَى بِكَ صَاغِرًا ذَلِيلًا، مَنْ يُحَارِبُ اللهَ يُحَارِبُهُ، وَمِنْ يُعَادِ اللهَ يَهْزِمَهُ..
قَالَ الهُرمُزَان: لَقَدْ كُنْتُمْ جِيَاعً فُقَرَاءَ فِلْمَّا تَقَويتُم اِنْتَصَرْتُمْ عَلَيْنَا.. قَالَ عُمَرُ: الَّذِي نَصْرِنَا هُوَ اللهُ وَحُمِلَ هَذَا الدِّينُ وَالإِسْلَامُ، أَمَّا أَنْتُمْ أَذِّلَةٍ نُجَسَاء، مُشْرِكِينَ، أَخْذَلَكُمُ اللهُ جَلَّ وَعَلَّا.. ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: مَاذَا فَعَلْتُ بِالنُّعْمَانِ مَجزَر، لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي قَتْلَهُ الهُرمُزَان، كَانَ يُعَذِّبُ بِأَلْفٍ فِي -- ((- 08:47)) – قَالَ: دَعْنِي أَشْرَبُ مَاءًا، قَالَ: اِشْرَبْ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَشْرَبَ أُتِىَ لَهُ بِقَدَحٍ -- ((@- 08:54)) -- قَالَ لَوْ مُتُ عَطِّشًا مَا شَرِبْتَ فِي هَذَا القَدْحِ، فَأُتِيَ لَهُ بِقَدَحٍ أَعْلَى، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَشْرَبَ اِرْتَجَفَ مَكَانَهُ وَسَقَطَ القَدْحُ، قَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا تَصْنَعَ، لَا تَجْمَعُوا عَلَى هَذَا الرَّجُلِ المَوْتَ وَالعَطَشُ، فَقَالَ: إِنِّي أَخْشَى أَنْ أَمُوتَ قَبْلَ أَنْ أَشْرَبَ هَذَا القَدْحَ، قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنْتَ آمِنٌ حَتَّى تَشْرَبَ، قَالَ الهُرمُزَان: فَلَيْسَ لِي حَاجَّةً بِالمَاءِ، يَبْغِي أَنْ يَخْدَعَ عُمَرُ، قَالَ: وَاللهِ لَأَقْتُلَنَّهُ، قَامَ أَنَسُ، فَقَالَ يَا عُمَرَ فَأَمِنْتَهُ حَتَّى يَشْرَبَ، قَالَ: وَإِنْ أَمِنْتَهُ عَلَى نَفْسِي فَإِنَّي لَا أُؤَمِّنُهُ عَلَى قَتْلِى النُّعْمَانُ وَالصَحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ، قَالُوا: فَهَذِهِ فَنِعْمَ، ثُمَّ حَمِلَ سَيْفَهُ وَقَامَ عُمَرُ، قَالَ: لَا يَتْرُكُكَ مِنَى إِلَّا أَنْ تَشْهَدَ الشَّهَادَتَيْنِ، فَقَالَ: إِنَّي أَشْهَدُ أَنَّ لَا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَأَسْلَمَ الهُرمُزَان ثُمَّ مَضَى فِي طَائِفَةٍ فِي المَدِينَةِ، فَبَقِيَ فِيهَا إِلَى أَنْ قُتِلَ لَمَّا قُتِلَ عُمَرُ قَالُوا: إِنَّهُ كَانَ مَعَ الَّذِينَ تَعَاوَنُوا فِي قَتْلِ عُمْرٍ.
وَبَعْدَ ذَلِكَ تَأْتِي الأَخْبَارُ أَنَّ يَزْدَجِردَ كِسْرَي جَمَعَ الجُمُوعُ العَظِيمَةَ، لَمَّا رَأَى تِلْكَ الهَزَائِمَ الكَثِيرَةَ فِي أَرْضِ نَهَاوَند، وَهَذِهِ أَكْبَرُ مَعْرَكَةٍ خَاضَهَا المُسْلِمُونَ مِنْ الصَحَابَةِ فِي تِلْكَ الأَمَاكِنِ فِي فَارِس، جُمِعَ أَكْثَرُ مِنْ مِائَةِ وَخَمْسِينَ أَلْفٍ وَكُلَهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ نَبِيَّهُمْ مُحَمَدٌ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهُ وَسَلَم- كَانَ مَلِكًا عَلَيْهُمْ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِقِاتَلِنَا، وَإِنَّ أَبَا بَكْرَ كَانَ مَلِكًا عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِقِاتَلِنَا، وَإِنْ عَمَرَ فَعَلَ فِينَا الأَفَاعِيل، وَإِنْ عُمَرُ هَزْمَنَا وَطَرْدَنَا وَشَرَدَنَا حَتَّى هَرَّبَ كِسْرَى إِلَى مَلِكِ الصِّينِ، فَقَالَ: أَنْجَدَنِي وَخَلِّصْنِي، قَالَ: مِثْلَكَ لَا يُتْرَكُ يَا كِسْرَى، وَلَكِنْ أَخْبَرَنِي مَا سِرُّ هَؤُلَاءِ القَلِيلُ الَّذِينَ هَزَمُوكُمْ وَقَطَعُوكُمْ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ لَيْسَ عِنْدَهُمْ شَيْءٌ وَلَا مَعْرِفَةً فِي تَقْنِيَةِ هَذِهِ الدُّنْيَا، إِنَّمَا فِيهُمْ ثَلَاثَةٌ صِفَاتٌ قَالَ: مَا هِيَ؟ قَالَ: رُهْبَانٌ بِاللَّيْلِ، عُبَادٌ بِالنَّهَارِ، لَا يَقِفُ أَمَامَهُمْ أَحَدٍ، يُنْصَرُونَ دَائِمًا، قَالَ مَلِكُ الصِّينِ: لَئِنْ كَانَ كَلَامُكَ صَحِيحٌ فَأَرْجَعَ إِلَيْهُمْ فَلَيْسَ لِي فِيهُمْ طَاقَةٌ، فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ يُعَادِلُ أُمَمًا مِنْ النَّاسِ، فَاِدْفَعْ لَهُمْ الجِزيَةَ وَهَادِنْهُمْ وَاِبْقَ ذَلِيلًا فِي قَوْمِكَ حَتَّى لَا يَأْخُذُوا مَكَانِي وَمَكَانَكَ أَجْمَعُ، فَبَقِيَ كِسْرَى يَتَنَقَّلُ خَوَّفًا حَتَّى وَصَلَ إِلَى أَصْبَهانَ، وُوصَلَ إِلَى المَشْرِقِ وَبَقِيَ فِيهَا قَابِعًا، ثُمَّ أَرْسَلَ الفَيرُوزَان، فَجَمَعُوا جَمِيعًا عَلَى حَنطٍ وَاِجْتَمَعُوا جَمِيعًا عَلَى قَتْلِ أَهْلِ الإِسْلَامِ فَبَعَثُوا إِلَى عُمْرٍ: أَنْجِدْ أُمَّةَ الإِسْلَامِ إِنْ كِسْرَى جَمَعَ جُمُوعِهِ الهَارِبِينَ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، عِنْدَ ذَلِكَ اِسْتَشَارَ عُمَرُ الصَحَابَة فَقَالُوا: مَا تَعَرِّفُ يَا أَمِيرَ المُؤَمِّنِينَ؟ قَالَ: أَخْرُجُ بِنَفْسِي، قَالُوا: أَمَّا أَنْتَ فَلَا، وَلَكِنْ ابْعَثْ رَجُلًا يَقُومُ بِمَقَامِكَ فَإِذَا بِمَلِكٍ كَسُكَّرِ اِسْمِهِ النُّعْمَانِ بُنٌّ مَقَرْنَ الصَحَابِيُ الجَلِيلَ ذو دَعْوَةِ مُستَجَابَةٍ، وَعَائِلَةٌ مُبَارَكَةٍ كُلِّهُمْ شُهَدَاءُ وَكَّلَهُمْ أَفَاضِلُ، كَانَ يَكْتُبُ إِلَى عُمْرٍ لَا تَجْعَلُنِي أَمِيرًا فِي هَذِهِ الحَيَاةِ وَاُكْتُبْنِي فِي أَحَدِ الغُزَاةِ، كَانَ دَائِمًا يَكْتُبُ هَذِهِ الكَلِمَاتِ، فَقَالَ عُمَرُ: لَأَبْعَثَنَّ إِلَيْهُمْ رَجُلٌ يُحِبُّ الآخِرَةَ أَكْثَرَ مِنْ حُبِّهِ لِهَذِهِ الدُّنْيَا.
وَبَعَثَ إِلَى النُّعْمَانِ وَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ قَاتِلَ بِأَوْلِيَاءِ اللهِ أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ عُمَرُ: وَلَا تَجْعَلُ المُسْلِمِينَ عَلَى طَرِيقٍ مُهْلِكَةِ فَإِنْ وَاحِدًا مِنْ المُسْلِمِينَ خُيِّرًا عِنْدَي مِنْ مِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، فَيَجْتَمِعُ بِأَهْلِ الإِسْلَامِ فِي نَهَاوَند فِي ثَلَاثِينَ أَلْفًا، وَعَلَيْهِمْ سَلمَانِ الفَارِسِيُّ، وَعَلَيْهِمْ حُذَيْفَةُ بِنْ اَلَيَمَاَنَّ، وَعَلَيْهِمْ اِبْنُ مَسْعُودٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، وَمَعَدُ بِنْ يَكْرِبْ، وطُلَيحَة الأَسدِي وَغَيْرُهُمْ مِنْ الأَبْطَالِ الرِّجَّالِ حَتَّى وَصَلُوا بِقِيَادَةِ كَذَلِكَ القِعقَاعَ إِلَى أَرْضِ نَهاوَند.
فَلَمَّا خَاطَبُوهُمْ أَرْسَلَ الفيروزان إِلَى النُّعْمَانِ: أَنْ ابْعَثَ لِنَا مَنْ يُكَلِّمُنَا، فَدَخَلَ دَاهِيَةَ العَرَبِ المُغِيرَةَ بِنْ شُعْبَةٌ فَخَاطَبَهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَقَالَ لَهُ الفَيرُوزَان: أَنْتُمْ قَومٌ نُجَسَاء وَجَيفٌ تَأْكُلُكُمْ الكِلَابُ وَلَا تَسْتَحِقُّوا القِتَالَ مَعَنَّا، فَإِنْ رَجَعْتُمْ عَنَا تَرَكْنَاكُمْ وَإِلَّا دَفَنَاكُمْ مَكَانَكُمْ.
فَقَالَ المُغِيرَةَ بِنْ شُعْبَةٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: لَقَدْ صَدَّقَتْ فِي مَقَالِكَ، كُنَّا جِيفٌ وَنُجَسَاء لَمَّا لَمْ نَكُنْ نَعْرِفُ الإِسْلَامَ، فَلَمَّا عَرَفْنَا الإِسْلَامَ فَمَا زِلْنَا فِي نَصْرٍ مِنْ اللهِ، وَنَصِرٍ عَلَيْكُمْ كَمَا رَأَيْتُمْ فِي تَقْطِيعِ بِلَادِكُمْ، وَإِنْ أَرْضَكُمْ لَنَدْخُلَهَا بِإِذْنِ اللهِ وَعَدًا مِنْ اللهِ وَمِنْ رَسُولِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَرَجَعَ وَالقُلُوبُ تُرْعَبُ مِنْ كَلَامِ المُغِيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ.
عِنْدَ ذَلِكَ بَدَأَ القِتَالُ فِي اليَوْمِ الأَوَّلِ وَلَمْ يَنْتَصِرْ أَحَدٌ، وَاليَوْمَ الثَّانِي كَذَلِكَ، فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ عَزَمَ الفُرْسُ عَلَى أَلَّا يَخْرُجُوا مِنْ الحُصُونِ، ونَهاوَند مِنْطَقَةٌ فِي جَبَلٍ عَالٍ لَا يَصِلُ إِلَيْهَا أَهْلُ الإِسْلَامِ فَاِسْتَشَارَ الصَحَابَةِ بَعْضَهُمْ بَعْض، وَالنُّعْمَانُ فِي جَيْشِهِ، فَقَالُوا: إِنَّ البَقَاءَ هُنَا مَهْلَكَةٌ وَالبَرْدُ شَدِيدٌ عَلَيْنَا.
فَقَامَ طُلَيْحَةُ الأَسْدِيُ- البَطَلَ المِغوَارُ- فَقَالَ: نَرَى أَنْ تَبْعَثَ القَعْقَاعَ فَيْصَلُ إِلَى تِلْكَ الأَسْوَارِ فَيُقَاتِلُهُمْ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ جَيْشٍ صَغِيرٍ، وَيَهْرُبُ البَقِيَّةَ إِلَى خَلْفِ الجِبَالِ فَيَرَى الأَعْدَاءَ أَنَّنَا مُنهَزِمُونَ وَنَتَظَاهَرُ بِالاِنْهِزَامِ فَيَخْرُجُ جَيْشُ الفُرْسِ الكَفَرَةَ فَلَمَّا يَخْرُجُوا جَمِيعًا نَرْجِعُ عَلَيْهُمْ فَنُقَاتِلُهُمْ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ.
فَقَالَ: نَعَمْ مَا أَشَّرَتْ.
فَتَظَاهَرَ القَعْقَاعُ وَأَخَذَ مَعَهُ مَفْرَزَةٍ فَرَمُوهُمْ بِالنِبَالَ حَتَّى تَعَدَّتْ الحُصُونُ فَبَدَأَ القَتْلُ فِي الفُرسِ، ثُمَّ رَأَوْا أَنَّ الأَعْدَادَ قَلِيلَةٌ فَفَتَحُوا الأَبْوَابَ وَخَرَجُوا فِي قِتَالٍ القَعْقَاعِ وَمَنْ مَعَهُ، فَإِذَا بالقَعْقَاعِ يَهْرُبُ وَيَتَظَاهَرُ بِالهَرَبِ حَتَّى وَصَلُوا إِلَى بَيْنَ شِعَابِ الجِبَالِ حَتَّى خَرَّجَ جَيْشُ الفُرسِ أَجْمَعَيْنِ، وَقَدْ رَبَطُوا أَنْفُسَهُمْ بِالسَّلَاسِلِ ثَمَانِيَةٌ ثَمَانِيَةٌ، كُلُّ ثَمَانِيَةِ رَابِطَيْنِ بَعْضُهُمْ بِبَعْضِ، وَجَعَلُوا حِسَّكَ الحَدِيدَ خَلْفَهُمْ حَتَّى لَا يَهْرُبُ مِنْهُمْ الهَارِبُ وَالخَائِفُ.
وَإِذَا بِالمُدَدِ مِنْ اللهِ، الصحابة يُكَّبِرُونَ فَقَالَ النُّعْمَانُ: لَا تَبدَءُوا بِالقِتَالِ، قَالُوا: إِنَّ الأَعْدَاءَ يَلْحَقُونَ فِينَا، قَالَ: لَا تَبْدَءُوا فَإنْ اليَوْمَ يَوْمَ جُمْعَةِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَحَيَّنُ القِتَالَ فِي يَوْمِ الجُمْعَةِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ، قَالَ: فَإِنَي مُكَبِّرٌ ثَلَاثًا، فَإِذَا سَمِعْتُم الثَّالِثَةَ فَاِحْمِلُوا عِبَادَ اللهِ عَلَى أَعْدَاءِ اللهِ.
ثُمَّ رَكِبَ خَيْلُهُ ثُمَّ صَلَّى الظَّهْرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، ثُمَّ أَخْذَ يَحِثُّ النَّاسَ عَلَى الجِهَادِ وَالثَّبَاتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، ثُمَّ كِبَرَ الثَّالِثَةُ، فَحَمَلُوا جَمِيعًا عَلَى الأَعْدَاءِ وَبَقِيَ القِتَالُ فِي قِتَالٍ مَرِيرٍ، قِتَالٌ شَدِيدٌ، حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ، فَلَمَّا غَرَبَتْ لَمْ يَقِفْ المُسْلِمُونَ عَنْ القِتَالِ، وَهَذِهِ لَيْلَةٌ شَدِيدَةٌ كَانَتْ عَلَى الكُفَّارِ، فَبَدَأَتْ الهَزِيمَةُ تُعَلُّوهُمْ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ حَتَّى كَانُوا يُهَرِّبُونَ فِي هَاوِيَةٍ عَظِيمَةٍ مَا بَيْنَ جِبَالٍ عَظِيمَةٍ، فَسَقَطَ فِي الهَاوِيَةِ أَكْثَرُ مِنْ ثَمَانِينَ أَلْفٌ، وَفِي رِوَايَةٍ لِاِبْنِ كَثِيرٍ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ أَلْفٍ، وَقُتِلَ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثِينَ أَلْفٌ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مِنْ الكُفَّارِ، وَهَرَبَ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِينَ أَلْفٌ إِلَى أَرْضِ اصْطَخَر وَأَرْضَ شَرْقَ فَارِسٍ وَمَعَهُمْ كِسْرَى هَارِبًا فَيَلْحَقُ القَعْقَاع وَمَنْ مَعَهُ الفَيرُوزَان فُوَصَلُوا إِلَى حَمْلِ بِغَالٍ، وَحَمِلَ حَمِيرٌ تَقُودُ مَعَهُمْ قَافِلَةٌ مِنْ العَسَلِ العَظِيمِ فَإِذَا بالفَيرُوزَان لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَمُرَّ مِنْ تِلْكَ القَافِلَةِ فَيَنْزِلُ وَيَتَرَجَّلُ فَيَصْعَدُ الجَبَلَ فَعَرِفَهُ القَعْقَاعَ فَلَحِقَهُ وَسْطَ الجَبَلِ فَقَتْلَهُ وَسْطَ الجَبَلِ، وَأَنْزَلَ بِرَأْسِهِ إِلَى المُسْلِمِينَ وَكَبَرَ وَقَالَ: هَذَا رَأْسُ الفَيرُوزَان ، وَحَمَلُوا العَسَلَ وَالقَافِلَةُ الَّتِي كَانَتْ لِلأَعْدَاءِ، ثُمَّ قَالَ الصحابة: إِنْ لِلهِ جُنُودًا مِنْ عَسَلٍ، وَهَذِهِ تُسَمِّي ثَنِيَةَ العَسَلِ، ثُمَّ أَمَرَ عُمْرَ لَمَّا أُتَاهُ الخَبَرُ أَوَّلُ مَنْ أَوْصَلَ الخَبَرَ إِلَى عُمْرِ جَنْيٌ مُسْلِمٍ، يَأْتِي وَيَرْكَبُ عَلَى خَيْلِهِ، فَقَالَ: مَا الخَبَرُ؟ قَالَ: فَتْحَ اللهُ عَلَى المُسْلِمِينَ كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ طَافَ بِالمَدِينَةِ وَأَخْبَرَ الخَبَرُ ثُمَّ مَضَى، فَقَالَ النَّاسُ: أَيْنَ صَاحِبُ البِشَارَةِ؟ قَالُوا: لَمْ نَجِدْهُ، أَيْنَ هُوَ؟ لَمْ نَجِدْهُ؟! قَالَ عُمَرُ: إِنْ ذَلِكَ مِنْ إِخْوَانِنَا المُسْلِمِينَ مِنْ الَجِنَ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَتَى الخَبَرُ مِنْ السَّائِبِ بِنْ يَزِيدُ وَمَعَهِ كُنُوزُ كِسْرَى وَقَيْصَرٍ فِي قِصَّةٍ طَوِيلَةٍ، لَمَّا كَتَبَ عُمْرُ إِلَى فلول المُسْلِمِينَ أَنْ يُطَارِدُوا المُنْهَزِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ.
فَقَسَمَهُمْ النُّعْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى أَقْسَامٍ وَبَعْدَ ذَلِكَ اُسْتُشْهِدَ النُّعْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأُكْمِلَ الصَحَابَةِ، فَكُلَّمَا لَحِقُوا بِقَافِلَةٍ هَارِبَةً فَإِذَا مَعَهُمْ مِنْ جَوَاهِرَ وَمِنْ كُنُوزِ كِسْرَى مَا اللهُ بِهِ عَلِيم، حَتَّى دَخَلَ النُّعْمَانُ دِيوَانَ كِسْرَى-رَضِيَ اللهَ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ وَمِنْ مَعَهُ- وَإِذَا بِصَنَمٍ كَبِيرٍ لَهُ اِصْبَعْ يُؤَّشِّرُ عَلَى مَكَانٍ، فَقَالَ سَعِدَ لَمَّا اِسْتَشَارُوهُ، قَالَ: إِنَّ هَذِهِ الإِشَارَةَ تَدُلُّ عَلَى مَعْنًى، فَذَهَبُوا إِلَى تِلْكَ الإِشَارَةِ فَنَقَضُوا الجِدَارَ وَإِذَا بِكُنُوزٍ آلُ فَارِسٍ مِنْ قَدِيمٍ فِي ذَلِكَ المَكَانِ، فَحَمَلُوهَا جَمِيعًا حَتَّى أَصَابَ العُلَمَاءُ يَقُولُونَ: ثَلَاثَةُ آلَافِ آلَافِ آلَافٍ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ مِلْيُونِ دِرْهَمٍ مِنْ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَغَيْرِهَا، وَتِلْكَ الأَعْدَادُ لَمْ تَكُنْ فِي خَلَدٍ وَلَا بَالَ فِي أَهْلِ الإِسْلَامِ وَالمُسْلِمِينَ فَلَمَا وَصَلَتْ إِلَى عُمْرِ أَخْذَ عُمَرَ يُقَسِمُهَا فِي ذَلِكَ اليَوْمِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، وَإِذَا بِبِسَاطِ عُمَرَ يَبْقَى بَيْنَ يَدَيْهِ فَيَنَامُ عُمَرُ وَيَحْصُلُ لَهُ قِصَّةً عَظِيمَةً فِي تِلْكَ اللَّيْلَةَ.
عِبَادَ الله!
هَذَا شَيْءٌ مِنْ نُصْرَةِ اللهِ لِلْصَحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ، وَالكَلَامُ فِي ذَلِكَ يُطَوَّلُ، رَزَقَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ النَّصْرُ عَلَى الأَعْدَاءِ، وَالتَّمْكِينُ يَا رَبَّ العَالَمِينَ.
عَبَّادُ اللهِ!
قُلْتُ مَا سَمِعْتُم وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ فَاِسْتَغْفَرُوهُ، وَتُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَعَزَّ جُنْدَهُ وَأَولِيَائَهُ الصَّالِحَيْنِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَحَدَّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدَهُ وَرَسُولَهُ.. عِبَادَ اللهِ!
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ!.
يَرْجِعُ السَّائِبَ بِجَيْشٍ مَعَهُ إِلَى عُمْرٍ، هَذَا الجَيْشُ يَحْمِلُ غَنَائِمَ كِسْرَى، المِنْطَقَةُ الَّتِي كَانَتْ بِيَدِهِ، وَالجَوَاهِرُ وَالتَّاجُ الَّذِي كَانَ يُلَبَسُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ ثِقْلِ هَذَا التَّاجِ كَانَ مُعَلَّقٌ بِالسَّلَاسِلِ مِنْ الذَّهَبِ فَيَجْلِسُ كِسْرَى تَحْتَهُ، لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَحْمِلَهُ، فَأَخَذَ وَأَخَذَتْ سَوَارِي كِسْرَى، وَالبِسَاطُ الَّذِي كَانَ مَعَهُ، وَالخَيْلُ الَّتِي كَانَتْ مَعَهُ، بَلْ حَتَّى كَانَ لِبِسَاطِ كِسْرَى بَغْلَةَ تَحْمِلُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ البِسَاطِ، فَكَانَ أُولَئِكَ الأَعْدَاءُ يَحْمُونَ تِلْكَ البَغْلَةَ فَقَالَ أَهْلُ الإِسْلَامِ، اُنْظُرُوا مَا سِرُّ تِلْكَ البَغْلَةِ الَّتِي تَمَشِّي وَحَوْلَهَا الأَعْدَاءُ يَحْرُسُونَهَا، فَقَالُوا وَلَمَّا وَصَلُوا إِلَيْهَا وَجَدُوا شَيْئًا مِنْ كُنُوزٍ أَيْضًا كِسْرَى، فَحَمَلُوا البَغْلَةَ كَذَلِكَ إِلَى عُمْرِ بِنْ الخَطَّابُ.
وَزَّعَ أَهْلُ الإِسْلَامِ السَّائِبُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَانَ مَسْئُولَا عَلَى تَوْزِيعِ الغَنَائِمِ فَأَصَابَ كُلَّ فَارْسٍ اِثْنَيْ عَشْرَ أَلْفٍ، وَالرَّاكِبُ اِثْنَيْ عَشْرَ أَلْفٍ، وَالَّذِي يَمْشِي عَلَى قَدَمِهِ ثَلَاثَةُ آلَافٍ، ثُمَّ وَصَلُوا بِالبَقِيَّةِ إِلَى عُمْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، فَرَآهَا كَالتِّلَالِ فَأَخْذَ عُمَرُ يَبْكِي ثُمَّ يَبْكِي، فَقَالَ الصَحَابٍيُ عَبْد الرَحْمَنِ بِنْ عَوْفٍ، وَعَلَيَّ بِنْ أَبِي طَالِبٌ: مَا يَبْكِيكَ يَا عُمَرَ؟! هَذَا يَوْمٌ أَعَزَّ اللهُ فِيهِ عَلَى الإِسْلَامِ، قَالَ عُمَرُ: مَا فُتِحَتْ هَذِهِ الكُنُوزُ عَلَى قَوْمٍ إِلَّا تَحَاسَدُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَضَرَبَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضِ، وَصَدَقَ عُمْرُ فِي ذَلِكَ المَكَانِ لَمَّا فَتَحَتْ الدُّنْيَا عَلَى كَثِيرٍ تَحَاسَدَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، وَضَرَبَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضِ، لَمَّا كَانَ يَعْرِفُ أَنَّ هَذِهِ الدُّنْيَا دَنِيَّةٌ وَأَنَّهَا مَسْخَرَةٌ لِلدُّنْيَا، وَلَا يَغْضَبُ الإِنْسَانُ لِأَجِلَّ الدُّنْيَا، وَلَا يُعَادِي لِأَجِلَّ الدُّنْيَا فَإِنَّهَا فَانِيَةٌ.
عِنْدَ ذَلِكَ وَزَّعَ عُمَرُ جَمِيعَ الغَنَائِمِ وَبَقِيَ بِسَاطُ كِسْرِي العَظِيمُ، فَبَاتَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فَنَزَلَتْ المَلَائِكَةَ مِنْ السَّمَاءِ تَجُرُّ عُمَرَ وَتَسْحَبُهُ وَتَقُولُ لَهُ: لَئِنْ لَمْ تَقْسِمْ ذَلِكَ البِسَاطَ لَنُعَذِّبَنَّكَ بِهِ وَلَنَكْوِيَنَّكَ، قَالَ: إِنَّي قَاسِمُهُ بَيْنَ المُسْلِمِينَ، فَمَا اِسْتَيْقَظَ عُمَرُ مِنْ لَيْلَةٍ وَكَتَبَ إِلَى السَّائِبِ فِي أَرْضِ العِرَاقِ أَنْ ارْجِعَ إِلَيْنَا مُبَاشَرَةً، يَقُولُ السَّائِبَ: فَمَا وَصَلَتْ بِجَمَلِي فِي أَرْضِ الكوفة إِلَّا وَجَمَلٌ آخَرُ خَلْفِيٌّ يَقَعُ عَلَى الأَرْضِ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: مَبْعُوثُ عُمْرَ، يَقُولُ: لَا تَجْلِسُ فِي مَكَانِكَ حَتَّى تَرْجِعَ إِلَيْهِ.
فَرَجَعَ إِلَيْهِ السَّائِبُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: البِسَاطُ الأَوَّلُ قَسَمْنَاهُ أَمَّا البِسَاطُ الثَّانِي فَلَا يَحُلُّ أَنْ يَبْقَى فِي هَذَا المَكَانِ فَارْجِعُ بِهِ إِلَى أَرْضِ الكُوفَة وَبِعْهُ إِلَى التُّجَّارِ هُنَاكَ، وَقَسَمُهُ بَيْنَ المُسْلِمِينَ، وَبِين حَاجَاتُ أَهْلِ الإِسْلَامِ، ثُمَّ كَتَبَ سَعْدَ: إِنَّ المُسْلِمِينَ بَدَؤوا يَمْرَضُونَ فِي أَرْضِ فَارِس، وَتَغَيَّرَتْ عَلَيْهُمْ الأَجْوَاءُ، فَاِبْعَثْ لِنَا مَكَانًا يَصْلُحُ لِنَا.
قَالَ عُمَرُ: شَاوَرَ مَنْ عِنْدَكَ وَاِتَّخَذُوا مَكَانًا لَا يَكُونُ فِيهِ وَخَمٌ وَلَا مَرَض، فَرَأَوْا أَهْلُ الإِسْلَامِ هُنَالِكَ أَنَّ تَكَوُّنَ أَرْضِ الكُوفَةِ مَكَانٌ لِلمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا وَصَلُوا فِيهَا أَتَى عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وُوصَلَ إِلَى أَرْضِ الكُوفَةِ وَخَطَطَهَا بِيَدِهِ، وَأُمِرَ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ شَارِعٍ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ ذِرَاعٌ، وَفِي كُلِّ مَضِيقٍ صَغِيرٌ إِلَى سِتَّةَ عَشْرَ ذِرَاعٍ، وَأُمِرَ أَنْ تَعْمُرَ الكُوفَةِ بِنَايَةً عَظِيمَةً كَانَتْ مِنْ بِنَايَاتِ الإِسْلَامِ.
وَبَنِي لَسَعِدَ بِنْ أَبِي وَقَّاصُ قُبَّةٌ عَظِيمَةً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، فَيَأْتِي أَهْلٌ العِرَاقَ وَأَهَّلُ الإِسْلَامِ فَيَجْتَمِعُونَ فِي ذَلِكَ المَكَانِ، فَيَكُونَ الوَالِيَ عَلَيْهُمْ سَعْدَ بِنْ أَبِي وَقَّاصُ، فَمَا أَمْهَلُوهُ مَا هِيَ إِلَّا أَيَّامٌ مَعْدُودَةٌ حَتَّى خَرَجُوا عَلَى سَعدَ ثُمَّ شَكُوا، قَالَ العُلَمَاءُ: لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ إِلَّا شَكَوْهُ عَلَى سَعْدَ، حَتَّى قَالُوا: إِنْ سَعْدَ لَا يُحْسِنُ الصَّلَاةَ! فَوَصَلَ الخَبَرُ إِلَى عُمْرَ فَرَأَى عُمَرُ الَّذِينَ بُعِثُوَا ضِدَّ سَعْدَ، قَالَ: وَاللهِ إِنَّ وُجُوهَكُمْ وُجُوهُ شَرٍ، وَإِنْ سَعْدَ مَرَضِيٌ مِنْ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَنْظُرَ فِي خَبَرِكَ فَأَمْرَ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ سَعْدَ بِنْ أَبِي وَقَّاصُ المُغِيرَةُ بِنْ أَبِي شُعْبَةٌ، فَسَأَلُوا عَنْ سَعِدَ فَكُلٌّ يُثَنِّي عَلَيْهِ خَيْرًا، حَتَّى قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: أَمَّا إِنْ سَأَلَتْ عَنْ سَعْدَ فَإِنْ سَعْدَ لَا يَقْسِمُ فِي السَّوِيَّةِ فِينَا، وَلَا يَخْرُجُ بِالسِّرِّيَّةِ، وَلَا يَعْدِلُ فِي القَضِيَّةِ، هَذَا الوَحِيدُ تَكَلَّمَ مِنْ الكوفة ضِدَّ سَعْدَ.
فَقَامَ سَعْدَ مِنْ مَكَانِهِ وَقَالَ: اَللَّهُمَّ إِنْ كَانَ كَاذِبًا فَأَطِلْ عُمْرُهُ، اَللَّهُمَّ أَطِلْ عُمْرُهُ وَاعْمَي بَصَرُهُ وَعَرِّضَهُ لِلفِتَنِ، فَمَا هِيَ إِلَّا أَيَّامٌ مَعْدُودَةٌ حَتَّى عَمِيَ ذَلِكَ الرَّجُلُ، عَمِّيَ اللهُ بَصَرُهُ، وَدَعْوَةٌ سَعْدَ مُسْتَجَابَةٌ، وَأَصْبَحَ لَهُ عَشَرَةً مِنْ البَنَاتِ لَمْ يَتَزَوجَهُم أَحَدُ، وَعَرَّضَهُ اللهُ لِلفِتَنِ، فَكَانَ يَلْحَقُ بِبَنَاتٍ المُسْلِمِينَ وَيَغْمِزَهُمْ مِنْ الخَلْفِ ثُمَّ يَقُولُونَ لَهُ: وَيحَكَ! مَا تَصْنَعُ، قَالَ: دَعْوَةُ ذَلِكَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ، دَعْوَةٌ سَعْدَ أَصَابَتْنِي وَإِذَا بِسَعْدُ يَتْرُكُ الخِلَافَةَ وَالإِمَارَةَ وَيَرْجِعُ إِلَى المَدِينَةِ وَيَأْخُذُ غَنَمًا لَهُ فِي قَصْرِهِ فِي العَقِيقَ وَيَبْقَى فِيهِ حَتَّى أَتَتْهُ المَنِيَّةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ.
سَعْدَ مُسْتَجَابُ الدَّعْوَةُ، خَالَهُ رَسُولُ اللهِ مِنْ أَكَابِرِ الصَحَابَةِ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى عُمْرٍ، قَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا أَبَا إِسْحَاقُ عَلِمْنَا صِدْقَكَ، وَلَكِنَّ الحَقَّ يَطْلُبُ أَنْ أَسْأَلَ عَنْكَ، قَالَ سَعْدَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ: لَقَدْ أَسْلَمَتُ خَامِسَ خَمْسَةٌ يَا عُمَرَ، أَسْلَمَتْ قَبْلَكَ، وَإِنَّي ثَبَتُّ عَلَى هَذَا الدِّينِ، وَإِنَّي مَاضٍ عَلَيْهِ حَتَّى أَلْقَى اللهُ فَيَبْكِيَانِ العَشَرَةَ المُبَشِّرِينَ بِالجَنَّةِ الاِثْنَانِ، ثُمَّ يُودِعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيَبْقَى عُمَرُ، وَيَبْقَى سَعْدَ فِي قَصْرِهِ فِي العَقِيقِ حَتَّى يَتَوفَاهُ اللهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ.
نَصَرَ الله-أَيُهَا المُسْلِمُونَ- أَهْلَ الإِسْلَامِ، وَفِي كُلِّ مَكَانٍ، قَدْ يَقُولُ قَائِلٌ: هَذِهِ النُّصْرَةُ، أَنْتَ تَتَكَلَّمُ عَنْ الصَحَابَةِ وَهْمَ المُصْطَفُونَ مِنْ النَّاسِ، وَهَذِهِ النُّصْرَةُ قَدْ لَا تَكُونُ مِثْلُ الصَحَابَةِ، بَلْ نَقُولُ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: إِنَّ هَذَا النَّصْرَ يَبْقَى إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ.
الَّذِي نَصَرَ طَارِقَ بِنْ زِيَادُ بَعْدُ الصَحَابَةِ بِمِائَةِ سَنَةً وَالَّذِي نَصْرَ مَحْمُودُ بِنْ سبكتكن فِي أَرَاضِي الهِنْدِ بَعْدَ أَرْبَعِمِائَةِ سَنَةٍ، وَالَّذِي نَصَرَ مُحَمَّدٌ الفَاتِحُ بَعْدَ تِسْعِمِائَةِ سَنَةٍ هُوَ اللهُ جَلَّ وَعَلَّا الَّذِي نَصَرَ عَبْد الرَحْمَنِ النَّاصِرُ فِي أَرْضِ الأَنْدَلُسِ هُوَ اللهُ جَلَّ وَعَلَّا بَعْدَ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ، الَّذِي نَصَرَ يُوسُفَ بِنْ تَاشفِينَ فِي القَرْنِ الخَامِسِ الهِجْرِيِّ هُوَ اللهُ جَلَّ وَعَلَّا، الَّذِي نَصَرَ نُورَ الدِّينْ زِنْكِي وَصَلَاحَ الدِينِ فِي القَرْنِ السَّادِسِ الهِجْرِيِّ هُوَ اللهُ، الَّذِي نَصَرَ المظْفَر قُطُزْ فِي القَرْنِ السَّابِعِ الهِجْرِيِّ هُوَ اللهُ جَلَّ وَعَلَّا، الَّذِي نَصَرَ وَنَصَرَ كَثِيرًا مِنْ أَوْلِيَاءِ المُؤَمِّنِينَ هُوَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
إِنَمَا القَاعِدَةُ:
{إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}([url=file:///E:/%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%AF %D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%87%D8%B1%D9%8A/%D8%AE%D8%B7%D8%A8 %D9%85%D9%81%D8%B1%D8%BA%D8%A9/%D8%AE%D8%B7%D8%A8%D8%A9-%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%88%D9%86%D8%AF-%D9%81%D8%AA%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%88%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%AE-%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%87%D8%B1%D9%8A-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B4%D9%83%D9%8A%D9%84.doc#_ftn9][sup][9][/url])[/sup]
عِبَادَ اللهِ!
أَقِيمُوا دِينَ الإِسْلَامِ فِي نُفُوسِكُمْ يَفْتَحُ اللهُ لَكُمْ البِلَادَ وَالعِبَّادَ، يُخَوِّفُ اللهُ أَعْدَاءَهُمْ مِنْكُمْ، قَالَ جَلَّ وَعَلَّا:
{إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ}([url=file:///E:/%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%AF %D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%87%D8%B1%D9%8A/%D8%AE%D8%B7%D8%A8 %D9%85%D9%81%D8%B1%D8%BA%D8%A9/%D8%AE%D8%B7%D8%A8%D8%A9-%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%88%D9%86%D8%AF-%D9%81%D8%AA%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%88%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%AE-%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%87%D8%B1%D9%8A-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B4%D9%83%D9%8A%D9%84.doc#_ftn10][sup][10][/url])[/sup]
قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ كَاِبْنِ تَيْمِيَّةَ شَيْخَ الإِسْلَامِ وَغَيْرَهُ أَيْ: يُخَوِّفُ بِأَوْلِيَاءِ اللهِ أَعْدَاءُ اللهِ جَلَّ وَعَلَّا، أَعْدَاءُ اللهِ لَا يَخَافُونَ مِنْ المُسْلِمِينَ إِلَّا أَنْ يَخْرُجَ شَبَابُ أَهْلِ عَقِيدَةٍ وَأَهْلِ صِدْقٍ، وَأَهَلَ إِخْلَاصٍ يَحْفَظُونَ القُرْآنَ وَيَلْتَزِمُونَ بِالسَّنَةِ، أَمَّا الَّذِي يُفَرِّحُ الأَعْدَاءَ أَنْ يَأْتِيَ كَثِيرٌ مِنْ الشَّبَابِ لَيْسَ لَهُ هُمْ إِلَّا مُتَابَعَةُ الكُرَةِ وَالقَنَوَاتِ وَالجَوَّالَاتِ وَيَحْفَظُ كَثِيرٌ مِنْ الأُغْنِيَّاتِ المَاجِنَاتُ، وَيَتْرُكُوا حِفْظُ القُرْآنِ، وَيُتْرَكُ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ السَلَفُ وَاللهِ قَدِيرٌ عَلَى أَنْ يَرُدَّنَا إِلَيْهِ رَدًّا جَمِيلًا.
اَللَّهُمَّ رُدُّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا، اَللَّهُمَّ رُدُّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا، يَا رَبَّ العَالَمِينَ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، اَللَّهُمَّ إنا نَسْتَنْصِرُ بِكَ عَلَى الأَعْدَاءِ فَاُنْصُرْنَا، اَللَّهُمَّ إنا نَسْتَنْصِرُ بِكَ عَلَى اليَهُودِ فِي فِلَسْطِينَ فَاُنْصُرْنَا، وَعَلَى النصارى وَالمُعْتَدِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اَللَّهُمَّ اِجْعَلْنَا أُخُوَّةً مُتَحَابِّينَ فِي جَلَالِكَ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ.
عِبَادَ اللهِ!
صَلُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ، َأَكثِرُوا مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى المُصْطَفَى مُحَمَّدٍ بِنْ عَبْد الله، إِنَّ صَلَاتَكُمْ يَوْمَ الجُمْعَةِ مَعْرُوضَةٌ عَلَى نَبِيِّكُمْ، مَعْرُوضَةٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَأَوْصَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُكَثِّرَ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ فِي يَوْمِ الجُمْعَةِ حَتَّى نَنَالَ بِالشَّفَاعَةِ وَنَنَالُ بِالرِّضَا، وَنَنَالُ بِحُسْنٍ الاِقْتِدَاءَ مِنْ النَّبِيِّ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
اَللَّهُمَّ بَارِكْ لِنَا وَإِيَّاهُ فِي مَالِنَا وَأَوْلَادِنَا يَا رَبَّ العَالَمِينَ، وَاِرْضَ اَللَّهُمَّ عَنْ الخُلَفَاءِ الراشدين أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثمَانُ وَعُلًي وَعَنَا مَعَهِمْ بِعَفْوِكَ وُجُودُكَ يَا أَكْرَمَ الأَكْرَمِينَ.
اَللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ، اَللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ، اَللَّهُمَّ اِرحَمْ حَوْزَةَ الدِّينِ وَاُنْصُرْ أَوْلِيَاءَكَ المُوَحَّدِينَ المُجَاهِدِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، اَللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِاليَهُودِ المُعْتَدِينَ وَمِنْ هَاوَدَهُم وَالْنَصَارَى الغَاصِبِينَ وَمَنْ عَاوَنَهُمْ، اَللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِالرَافِضَةِ المُعْتَدِينَ، اِكْفِنَا شُرُورِهِمْ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، وَاِجْعَلْنَا أُخُوَّةً مُتَحَابِّينَ فِيكَ بِجَلَالِكَ، اَللَّهُمَّ اُرْزُقْنَا حَسَنَ الأُخُوَّةِ وَحُسْنَ المَقَالَةِ وَحُسْنَ الفِعَالُ يَا ذَا الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ.
اَللَّهُمَّ بَارَكَ لِنَا فِي وَلِيَّ أَمْرِنَا، اَللَّهُمَّ أَرْزُقُهُ بِطَانَةً صَالِحَةً، وَجَنْبَهُ بِطَانَةُ السُّوءِ، اَللَّهُمَّ أَجْعَلُهُ رَحْمَةَ لِعُبَّادِكَ المُؤْمِنِينَ، اَللَّهُمَّ أَلْهِمُ هَذِهِ الأُمَّةَ أَمْرَ رَشَدٍ يَعِزُّ فِيهِ أَهْلُ الطَّاعَةِ وَيَهْتَدَي فِيهِ أَهْلُ المَعْصِيةِ يَا ذَا الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ.
اَللَّهُمَّ اِحْيَنَا مُسْلِمِينَ، وَتَوفَانَا مُسْلِمِينَ، وَاِبْعَثْنَا غَيْرَ خَزَايَا وَلَا نَادِمِيْنَ، اَللَّهُمَّ أَخْرِجْ لِنَا مِنْ شَبَابِنَا شَبَابًا صَالِحِينَ، شَبَابًا مُصْلِحِينَ يَحْفَظُونَ القُرْآنَ وَيَهْتَدُونَ بِالسَّنَةِ عَلَى مَنْهَجِ الوَسَطِيَّةِ لَا غَالِينَ وَلَا إِفْرَادَ وَلَا تَفْرِيطَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ..
عَبَّادُ اللهِ!
اُذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ يَذْكُرُكُمْ وَاُشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلِذِكْرِ اللّهُ أَكْبَرُ {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}([url=file:///E:/%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%AF %D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%87%D8%B1%D9%8A/%D8%AE%D8%B7%D8%A8 %D9%85%D9%81%D8%B1%D8%BA%D8%A9/%D8%AE%D8%B7%D8%A8%D8%A9-%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%88%D9%86%D8%AF-%D9%81%D8%AA%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%88%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%AE-%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%87%D8%B1%D9%8A-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B4%D9%83%D9%8A%D9%84.doc#_ftn11][sup][11][/url])[/sup].