دروس ليالي رمضان: تأملات في آيات وصايا لقمان
24رمضان 1435 / 22 يوليوز 2014
محمد زراك إمام وخطيب المسجد الكبير بأولاد برحيل المغرب
أما بعد فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نسأل الله يتقبل منا الصيام والقيام، اللَّهُمَّ لاَ تَدَعْ لَنا ذَنْباً إِلاَّ غَفَرْتَهُ، وَلاَ هَمّاً إِلاَّ فَرَّجْتَهُ، وَلاَ كَرْباً إِلاَّ نَفَّسْتَهُ، وَلاَ مَيْتاً إِلاَّ رَحِمْتَهُ، وَلاَ مَرِيضاً إِلاَّ شَفَيْتَهُ، وَلاَ دَيْناً إِلاَّ قَضَيْتَهُ، وَلاَ عَسِيراً إِلاَّ يَسَّرْتَهُ، وَلاَ عَيْباً إِلاَّ سَتَرْتَهُ، وَلاَ حَاجَةً إِلاَّ أَعَنْتَنا عَلَى قَضَائِهَا وَيَسَّرْتَهَا لَنا، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
أيها المؤمنون! تعالوا بنا هذه الليلة نقف عند آيات من آيات كتاب الله الكريمات، وسنحاول أن نصل بهذه الآيات إلى قلوبنا لتطمئن وتزداد إيمانا، هذه الآيات هي آيات وصايا لقمان.
وتعالوا في البداية نتعرف على لقمان، عاش لقمان في عصر سيدنا داوود عليه السلام، وكان عبدا فقيرا، وأغلب العلماء قالوا أنه لم يكن نبيا، وإنما حكيما وليا، قال له سيدهُ يوما: "يا لقمان اذبح خروفا وأتني بأطيب شيء فيه، فأتاه باللسان والقلب "وفي اليوم التالي قال له: يا لقمان اذبح خروفا، وائتني بأخبث شيء فيه، فأتاه لقمان بالقلب واللسان! فقال سيدهُ:" يا لقمان! طلبت منك اطيب ما فيه فأتيتني باللسان والقلب، ثم طلبت منك اخبث ما فيها فأتيتني بهما! كيف ذلك؟ فقال لقمان: ليس شئٌ أطيبَ منهما اذا صلحا، ولا شئٌ أخبثَ منهما اذا خَبُثا،فقال له:" أذهب، فأنت حُر مثلك لا يكون عبدا". كم هي جميلة حكمة لقمان، فأطيب ما في الجسد القلب واللسان إن صلحا، وأخبث ما فيه إن خبثا، ولذلك يقول النبي r"لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه".
أيها المؤمنون! سأقرأ الآن الآيات من سورة لقمان، وأدعوكم أن تتدبروها }وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ{
هذه الآيات تبين أن لقمان مهتم بابنه ويربيه، وهنا أقدم للآباء نصيحة ثمنها غال جدا.
يا آباء! ربوا أولادكم واهتموا بهم، وشاركوا زوجاتكم في تربيتهم والاهتمام بهم ، لأن المشكلة الكبيرة التي نعاني منها في مجتمعنا، هي عقوق الأولاد، من تعاطيهم للمخدرات وغير ذلك ولا يحترمون أحدا-مؤخرا تلميذ ضرب استاذه بالسكين- أتدرون من أين جاء هذا العقوق؟ جاء بسبب اهمال الآباء، يهتمون بالعمل خارج البيت، وتركوا كل مسئولية التربية على الأمهات، يقول مصطفى الرافعي كلمة جميلة(شاعر وأديب مصري):"إن من الفوضى والضياع، بأن تنظم الكون من حولك، وتترك الفوضى في بيتك" اسمعوا هذه الدراسة، ذهب مجموعة من العلماء يوم العيد إلى أحد السجون،-أسأل الله أن يحسن عاقتي وعاقبتكم في الأمور كلها- فقالوا للسجناء: "أتحبون أن ترسلوا رسائل تهنئة لأمهاتكم ؟ فأقبل الكثير من المسجونين، وأرسلوا الرسائل إلى أُمهاتهم، ورفضوا أن يرسلوها لآباءهم. فقام هؤلاء العلماء بدراسة، فاكتشفوا أن كثير من المسجونين يشعرون أن آباهم السبب في دخولهم السجن، لأن سوء التربية هي التي أوصلتهم الى السجن.
فأبناؤكم أيها الآباء محتاجون إليكم، فإذا نجحتم في تربيتهم فستدخلون الجنة، يقول النبي r: (مَنْ عَالَ ثَلاثَ بَنَاتٍ فَأَدَّبَهُنَّ وَزَوَّجَهُنَّ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ فَلَهُ الْجَنَّةُ) وفي حديث آخر : كن له سترا من النار ويقول r: (لأن يؤدب أحدكم ولده خير له من أن يتصدق كل يوم بنصف صاع على المساكين)
ووصايا لقمان تتحدث عن الأولويات التي سنعلمها ونربي عليها أبنائي؟ وهي كالتالي:
أولا: معرفة الله وحبه. أول شيء تغرسه في أولادك معرفة الله وحبه، مثلا ان كذب ابنك أو سرق، قبل ان تضربه قل له: الله حرم الكذب والسرقة وهو ينظر اليك }وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم{ وقال له }يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ{ كان لقمان يمشي مع ابنه في الطريق، فرأوا حبةٍ من خرذل، فألقاها بين الصخور في الجبال، وقال له:"إن الله تعالي مُطلع عليها" فلقمان يُعلم ابنه معرفة الله، كأنه يقول: إن تكلمت بكلام فهو سميع، وإن سكتَّ وحدثت نفسك فهو عليم، وإن تحركت فهو بصير،علم ما كان، وعلم ما يكون، وعلم ما سيكون، وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون، الأب مطالب بأن يربي أبنائه على هذا المعنى، أن يتربى أن يصلي في غيابك وأنت لا تراه! الله اكبر! قبل أيام كنت عند احدى العائلات، وكان هذا الأب يضرب ابنه على الصلاة، فعندما ضربه أدخله الغرفة ليصلي، ثم تركه، وأنا جالس في الغرفة لم يرني الولد في البداية، فجلس الولد كأنه جالس بين السجدتين، وبقي في تلك الحالة، فلما سمع أباه قادما قام وكأنه يصلي!! لذلك وجب ان يتربى الابن على معرفة الله وحبه، وهاهو الرسول r يقول لغلام صغير من أقاربه، وهو يربيه على معرفة الله! وهو عبد الله بن عباس. يقول له: يَا غُلامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الأَقْلامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ.
ثانيا: بِر الوالدين: }ووصينا الانسان بوالديه حسنا{ وهذه ليست داخلة في وصايا لقمان، وإنما ذكر الله فيها ، ضرورة أن يتربى الأبناء على الاحسان بالوالدين ، (وقد تحدثنا قبل أربعة أيام عن هذا بر الوالدين) وباختصار ، تحدث الله عز وجل عن الأم والأب عامة، ثم تحدث عن الأم خاصة، وذكر كيف تعبت أمه بسببه، وكيف حملتة في بطنها ، جاء رجل إلى رسول الله r فقال يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي قال أمك قال ثم من قال ثم أمك قال ثم من قال ثم أمك قال ثم من قال ثم أبوك) ويقول النبي r (احفظ ود أبيك، ولا تقطعه، فيُطفىء الله نورك" وسبب نزول هذه الآية هو الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاصy ، عندما أسلم قالت أمه: لا أكلمك أبداً حتى تكفر بمحمد، ولا تأكل ولا تشرب ولا تجلس في ظل، فمكثت ثلاثة أيام، حتى أغمي عليها فأتى سعد النبي r وشكا ذلك إليه فأنزل الله تعالى هذه الآية (وَوَصَّينا الإِنسانَ بِوَالِدَيهِ حُسناً ) الى ان قال( وان جاهداك على ان تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما) وَ قَالَ سيدنا علي y "إن للوادين أَنْ تطِيعَهُما فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ
أما باقي وصايا لقمان فستأتي غدا إن شاء الله، اللهم اجعلنا ممن يتذكر فتنفعه الذكرى