[rtl]
دروس ليالي رمضان: تأملات في سورة النحل
15رمضان 1435 / 13 يوليوز 2014
محمد زراك إمام وخطيب المسجد الكبير بأولاد برحيل المغرب أما بعد فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نسأل الله يتقبل منا الصيام والقيام، وان ييسر أمورنا، ويبارك لنا في أعمارنا وأعمالنا، وأزواجنا وذرياتنا، وأن يرحمنا ويتوب علينا أجمعين آمين أيها المؤمنون! كنا البارحة في رحاب تفسير قوله سبحانه َيا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ فتعالوا بنا الليلة نقف بكم مع سورة من سور القرآن الكريمات، وسنحاول أن نصل بها إلى قلوبنا حتى تطمئن وتزداد إيمانا هذه الآية هي سورة النحل[/rtl]
[rtl]
أيها المؤمنون! لو أعطيتُ لكل واحد من الحاضرين ورقة، وقلماً ليكتب نعم الله عليه، ثم قرأ سورة النحل، فسيجد كل ما كتبه من النعم مذكورا في هذه السورة، وسيجد أن هذه السورة ذكرت كل النعم التي قد تخطر على باله!! وإنّ مشكلة الإنسان هي أنه اعتاد النعم وألفها، فجاءت هذه السورة لتقول للناس: تفكّروا في نعم الله تعالى عليكم، وجدّدوا إحساسكم بها، وشكركم لله عليها. [/rtl]
[rtl]
وأول نعمة ذكرتها السورة هي: نعمة الوحي يُنَزّلُ ٱلْمَلَـٰئِكَةَ بِٱلْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُواْ أَنَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلا أَنَاْ فَٱتَّقُونِ[/rtl]
[rtl]
ثم نعمة خلق السماوات والأرض }خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقّ تَعَـٰلَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ{[/rtl]
[rtl]
ثم نعمة خلق الإنسان {خَلَقَ ٱلإِنْسَـٰنَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ{ فالروح التي بداخلك هي نعمة من الله، بعد أن خلقك وأوجدك من العدم.[/rtl]
[rtl]
ثم نعمة الأنعام للأكل والملبس والتنقلات }وَٱلأَنْعَـٰمَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْء وَمَنَـٰفِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ{ ثم }وَٱلْخَيْلَ وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ{ فهذه الآية تشمل وسائل النقل في عهد النبيr وتشير إلى كل وسائل النقل الحديثة في عالمنا في قوله }وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ{ فهي تشمل الطائرات والسيارات وغيرها من نعم الله علينا.[/rtl]
[rtl]
ثم نعمة الماء المنزّل من السماء }هُوَ ٱلَّذِى أَنْزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاء مَآء لَّكُم مَّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ{[/rtl]
[rtl]
ثم نعمة الزرع }يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ ٱلزَّرْعَ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلنَّخِيلَ وَٱلأَعْنَـٰبَ وَمِن كُلّ ٱلثَّمَرٰتِ إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ{[/rtl]
[rtl]
ثم نعمة تسخير الكون للإنسان }وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيْلَ وَٱلْنَّهَارَ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلْنُّجُومُ مُسَخَّرٰتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَـٰتٍ لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ{[/rtl]
[rtl]
ثم نعمة خلق الجبال }وَأَلْقَىٰ فِى ٱلأَرْضِ رَوَاسِىَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ{ فقد جعل الله الجبال أوتاداً لتثبيت الأرض من الزلازل كما أثبت العلم الحديث.[/rtl]
[rtl]
ثم نعمة خلق النجوم }وَعَلامَـٰتٍ وَبِٱلنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ{ فهذه النجوم تدلنا على الاتجاهات بالإضافة إلى اتجاه القبلة.[/rtl]
[rtl]
ثم نعمة ألبان الأنعام }وَإِنَّ لَكُمْ فِى ٱلأَنْعَـٰمِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مّمَّا فِى بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ{ [/rtl]
[rtl]
ثم نعمة العلم والسمع والأبصار }وَٱلله أَخْرَجَكُم مّن بُطُونِ أُمَّهَـٰتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَـٰرَ وَٱلأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ{[/rtl]
[rtl]
ثم نعمة الزواج والأولاد والأحفاد } والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون{ [/rtl]
[rtl]
ثم نعمة السكن والستر } وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَىٰ حِينٍ {وغيرها كثير من النعم المذكورة في السورة![/rtl]
[rtl]
وذكرت السورة آية محورية فتقول} وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱلله لاَ تُحْصُوهَا {[/rtl]
[rtl]
والهدف من السورة لا يقتصر على تعداد النعم، بل يركز على استخدام هذه النعم وتوظيفها في رضى الله، فتصوّر لنا مشهداً رهيباً لمن جحد بأنعم الله: }قَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى ٱلله بُنْيَـٰنَهُمْ مّنَ ٱلْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ ٱلسَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَـٰهُمُ ٱلْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ{[/rtl]
[rtl]
ثم تختم السورة بقصّة شخص شاكر لأنعم الله، إنه سيّدنا إبراهيم عليه السلام، فوصفت سيدنا إبراهيم بإحدى أهم صفاته التي تخدم هدف السورة: }شَاكِراً لأَنْعُمِهِ{ وبعد أن أصبح شاكراً لأنعم الله }ٱجْتَبَـٰهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ{[/rtl]
[rtl]
أيها المؤمنون! والشكر لا يتحقق إلا بثلاثة أركان وهي:[/rtl]
[rtl]
أولا: التحدث بها ظاهراً، (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) فتذكرها بلسانك، فتقول مثلا: ربي أصححت جسدي وما أكثر الأمراض في الناس،أحييتني لعبادتك والمقابر مليئة بالموتى، هديتني للحق والإسلام وأكثر البشر كالأنعام بل هم أضل، أغنيتني من فضلك وكم من معدم فقير، عافيتني في جسدي ومالي وأهلي وديني، وكم من مبتلى، فلك الحمد والشكر حتى ترضى. [/rtl]
[rtl]
ثانيا : أن تعترف بها في قلبك أنها من الله، لا بحولك ولا بقوتك، وإنما هي فضلٌ من الله سبحانه وتعالى. [/rtl]
[rtl]
ثالثا : أن تستعين بها على طاعة الله ومرضاته، ولا تستعن بها على معصيته، فإذا تمّت هذه الأمور فقد تحقق الشكر، ووجب الأجر من الله سبحانه وتعالى، ببقاء النعم الموجودة وزيادتها } وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد{ جاء في حكم ابن اعطاء الله السكندري "من لم يشكر النعم فقد تعرض لزوالها، ومن شكرها فقد قيدها بعقالها.[/rtl]
[rtl]فهذا المعتمد (آخر ملوك بني عباد في الأندلس) عاش في الرخاء والرفاهية لكنه لم يشكر نعم الله، اشتهت زوجته أن تمشي في الطين، وتحمل القربة لما رأت جارية تفعل ذلك، فأمر المعتمد بنثر المسك، والكافور، والزعفران، وأن تمشي زوجته برجليها بقربة مسك في هذا الخليط- اسراف وتبذير في قمة صوره- فدارت الأيام، فأسره يوسف بن تاشفين ونفاه إلى قرية أغمات(قرية بين مراكش وتارودانت) هو وأهله جميعاً فعاش فيها فقيرا لا يجد ما يأكل، فتعمل بناتُه في الغزل لكي يأتين بالخبز، فلما جاء يوم العيد، أطلت قال شعرا:** فيما مضى كنت بالأعياد مسروراً *** فجاءك العيد في أغمات مأسورا***ترى بناتك في الأطمار جائعة *** يغزلن للناس ما يملكن قطميراً***يطأن في الطين والأقدام حافية *** كأنها لم تطأ مسكاً وكافوراً**[/rtl]
[rtl]أيها المؤمنون! كانت هذه سورة النحل أو سورة النعم، فإذا علمت أن سورة النحل هي سورة النعم، وتذكرت نعم الله عليك ثم لم تشعر بكل جوارحك أنّك بحاجة إلى أن تشكر الله، فينبغي أن تراجع نفسك، لأنك بهذا لم تستفد من هذه السورة.[/rtl]
[rtl]وفي الختام أطلب من كل واحد من الإخوة والأخوات، إذا رجع إلى بيته بعد صلاة التراويح، أن يفتح المصحف وأن يقرأ سورة النحل إلى آخرها، ثم يتتبّع النعم المذكورة فيها (كالستر مثلاً أو العائلة أو الغذاء). بعد ذلك كله تفكّر في كيفية استعمال هذه النعم في طاعة الله، فبذلك تكون قد حققت مراد الله منك في هذه السورة.[/rtl]
[rtl]اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.[/rtl]
[rtl]
[/rtl]