دروس ليالي رمضان: ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ
14رمضان 1435 / 12 يوليوز 2014
محمد زراك إمام وخطيب المسجد الكبير بأولاد برحيل المغرب
أما بعد فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نسأل الله يتقبل منا الصيام والقيام، وان ييسر أمورنا، ويبارك لنا في أعمارنا وأعمالنا، وأزواجنا وذرياتنا، وأن يرحمنا ويتوب علينا أجمعين آمين
أيها المؤمنون! كنا البارحة في رحاب تفسير قوله سبحانه } إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ{ فتعالوا بنا الليلة نقف بكم مع آية أخرى من آيات القرآن الكريمات، وسنحاول أن نصل بها إلى قلوبنا حتى تطمئن وتزداد إيمانا هذه الآية هي قوله تعالى } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {
هذه الآية تتحدث عن العبادة والركوع والسجود ثم عن فعل الخير.
وفعل الخير: يشمل حبّ الخير للناس، بالإصلاح بين المتخاصمين، والإصلاح بين زوجين، وحسن الجوار، وصلة الأرحام، وعيادة المرضى، ومساعدة المحتاجين، ومساعدة اليتامى والأرامل والمساكين، وإطعام الجائعين، وغيرها كثير، فافعلوا الخير لعلكم تفلحون.
وهذه الآية جمعت بين العبادة وبين فعل الخير، أتدرون لماذا؟ لأن العبادة لابد أن تملأ قلبك بالرحمة، ودليل هذه الرحمة هو فعل الخير، بمعنى أن الإنسان الذي يعبد الله ولا يفعل الخير، ففي عبادته خلل مّا!!
وقد أكد الرسول r هذا المعنى وبيَّنه حينما قال: يقول الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي: (إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتي...إلى أن قال ..ورحم المسكين وابن السبيل والأرملة ورحم المصاب، ذلك نوره كنور الشمس، أكلأه بعزتي، وأستحفظه ملائكتي....ومثله في خلقي كمثل الفردوس في الجنة)
فرحمة المساكين والفقراء والمحتاجين والمصابين وفعل الخير عموما، علامة على أن الله تقبل منك الصلاة.
وعلامة كذلك على أن الله يحبك ولن يخزيك أبدا، ومثاله : عندما اختار الله عز وجل النبي r لحمل الرسالة نزل من غار حراء خائفا مرتعدا ويقول لزوجته (زملوني.. زملوني) لقد خشيت على نفسي، فقالت له أمنا خديجةُ: كلا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَداً، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ - أي تعين الضعيف الذي غلبه الزمان - وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ - أي أنك معتاد على الكرم والجود على المحتاجين_ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ –أي تساعد من نزلت به مصيبة-.
أيها المؤمنون! الله عز وجل لا يضيع أبداً أجر من فعل الخير، وأحسنَ عملاً .
فهذا أبو سفيان كان من أشد الناس عداوة للرسول r، وفي أحد الأيام كانت السيدة فاطمة بنت رسول الله r وهي طفلة صغيرة تسير في مكة، فإذا بأَبي جَهْلٍ يلطمها لطمة قوية بسبب بغضه وحقده لأبيها، فرآها أبو سفيان فتحركت الرحمة في قلبه الرحمة، فَأَخَذَ بِيَدِهَا وَقَامَ مَعَهَا حَتَّى وَقَفَ عَلَى أَبِي جَهْلٍ ، وَقَالَ لَهَا : الْطِمِيهِ كَمَا لَطَمَكِ ، فَفَعَلَتْ فَجَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ r فَأَخْبَرَتْهُ فَرَفَعَ يَدَيْهِ إلى السماء وَقَالَ (اللَّهُمَّ لا تُنْسِهَا لأَبِي سُفْيَانَ) قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : مَا شَكَكْتُ أن إِسْلامهُ كان لِدعاء النبيr له!! فالله سبحانه لا يضيع أبداً أجر من أحسنَ عملاً.
وهذه إمرأة بغي تبيع من أجل المال، بينما هي تسير يوما في الصحراء ، فرأت كلبا كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ، فنزلت بئرا فسقته ماء، فقال رسول الله r (فشكر الله لها فغفر لها وأدخلها الجنة) الله أكبر! امرأة بغي غفر لها بفعل خير قليل، ومع من؟؟ مع كلب ! فما بالكم بمن يفعل الخير، ويدخل السرور والفرح على المحتاجين من أمة رسول الله r.
رأى الرسول r رَجُلاً يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ بسبب شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ.
ورَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَنا، حاسبه الله فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مِنَ الخَيْرِ شَيْءٌ إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ رَجُلاً مُوسِرًا، وَكَانَ يُخَالِطُ النَّاسَ، وَكَانَ يَأْمُرُ غِلْمَانَهُ أَنْ يَتَجَاوَزُوا عَنِ الْمُعْسِرِ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: نَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ، تَجَاوَزُوا عَنْهُ.
ويروي العلماء قصه عن الأمام أحمد بن حنبل أن "إمراة كانت تمشي ومعها طفلها الصغير وبيدها رغيف خبز، فسبحان الله سهت، فجاء رجل وسرق الطفل، فظلت هذه المرأة تبكي وتصرخ وهى ممسكه بالرغيف، وبينما هي على هذه الحال مر سائل فقال: يا أمة الله فقير ضعيف، فقالت: خذ هذا فكله، وأعطته رغيف الخبز، وعادت إلى صراخها، فبينما هى على ذلك الحال، إذا بالسارق قادم بطفلها: فقال لها: كنت أريد أن أبيعه، ولكن شعرت في قلبي بشفقة عليك، فقالت المرأة: سبحان الله الذي شكر الرغيف، وجازى عليه برد الابن الحبيب.
, هنا أتذكر قصة اخرى، يروى الناس في عصرنا هذا قصة رجل صالح رأى النبي عليه r يقول له: قل لفلان ابن فلان: إنه رفيقي في الجنة، فجاء هذا الرجل الصالح فطرق باب المعني بالرؤيا، فلما فتح له وجده رجلا غارقا الخمر ويملك حانة لبيع الخمور، فقال الرجل الصالح في نفسه ربما أخطأت في الاسم، فتأكد فوجده الرجل المقصود، فذهب إليه مرة اخرى قال له: لك عندي بشارة من رسول الله r وأخبره، فبكى بكاء شديدا وتاب إلى الله، فقال له الرجل الصالح: ماذا فعلت مع الله حتى استحققت هذه البشارة ؟ فقال له: أنا كما تراني غارقا في الذنوب، لا يوجد عندي عمل صالح، غير أني مرة بينما أنا عائد بسيارتي من مكان شرب الخمر في ليلة ممطرة، إذا أنا برجل عنده منزل للكراء، تسكن فيه امرأة فقيرة وعندها يتامى، قد أخذ صاحب الكراء أغراضها وأخرجها إلى الشارع هي وأولادها اليتامى، لأنها لم تدفع الكراء مدة طويلة، قال فتحركت الرحمة في قلبي، فقمت بشراء ذلك المنزل وسلمته لتلك المرأة!! فقال الرجل الصالح: هذه الذي بلغت بك مابلغت، وغير بعيد ان تكون هذه القصة صحيحة، وصدق رسول الله r حينما قال( أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين) اذهب وقل لفلان إنه رفيقي في الجنة.
ايها المؤمنون! أبو ذر رضي الله عنه يقول قلت: يا رسول الله من أين أتصدق وليس لي أموال؟ (وهذا سؤال يطرحه أغلب الناس) فقال له رسولr من أبواب الصدقة التكبير وسبحان الله والحمد لله وتعزل الشوكة عن طريق الناس والعظم والحجر، وتهدي الأعمى وتسمع الأصم والأبكم حتى يفقه، وتَدُل المستدل على حاجة له قد علمت مكانها ،وتسعى بشدة ساقيك إلى المستغيث، وترفع بشدة ذراعيك مع الضعيف كل ذلك من أبواب الصدقة منك على نفسك.
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات.
موضوع: دروس ليالي رمضان: ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ 
السبت يوليو 12, 2014 11:05 pm
