دروس ليالي رمضان:
يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ 12رمضان 1435 / 12 يوليوز 2014
محمد زراك إمام وخطيب المسجد الكبير بأولاد برحيل المغرب
أما بعد فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نسأل الله يتقبل منا الصيام والقيام، وان ييسر أمورنا، ويبارك لنا في أعمارنا وأعمالنا، وأزواجنا وذرياتنا، وأن يرحمنا ويتوب علينا أجمعين آمين أيها المؤمنون! كنا البارحة في رحاب تفسير قوله سبحانه وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ فتعالوا بنا الليلة نقف بكم مع آية أخرى من آيات القرآن الكريمات، وسنحاول أن نصل بهذه الآية إلى قلوبنا حتى تطمئن وتزداد إيمانا هذه الآية هي قوله تعالى } يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ { وسبب اختياري لهذه الآية هو أن وسائل الإعلام نقلت من المسجد الأقصى مشاهد رهيبة، تتألم من أجلها النفوس المؤمنة ،الاعتداء الصهيوني مستمر في استهداف المسلمين والمنازل والمساجد. أيها المؤمون! الله عز وجل وصف المسجد الأقصى في القرآن بالأرض المباركة والأرض المقدسة، انظروا إلى قول الله تبارك وتعالى }يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ {و قوله }وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا{ لأن هذه الأرض هي أرض الصلة بالله تبارك وتعالى، وأرض الأنبياء، وعندما تقوم بحساب الأنبياء الذين زاروا هذه الأرض تتعجب، فسيدنا آدم زار هذه الأرض وبنى هذا المسجد، ومن الأنبياء من زارها مثل سيدنا موسى ومحمد r. ومنهم من استقر وعاش فيها مثل سيدنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف وداوود وسليمان وعيسى عليهم الصلاة والسلام، هي الأرض الوحيدة التي كان فيها كل أنبياء الله تعالى.
وللأسف كثير من الناس ليست لهذه الأرض قيمة في حياتهم، مع كونها مسرى النبي r، وأولَ القبلتين، وثالثَ الحرمين، فالمساجد الثلاثة جزء واحد المسجد الحرام و المسجد النبوي والمسجد الأقصى يقول النبي r: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاث مساجد، المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى ويقول النبي: "صلاة في مسجدي هذا بألف صلاة فيما سواه، وصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة فيما سواه، وصلاة في المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة فيما سواه". وهناك معلومة لا يعلمها الكثيرون، وهي أن الحجاج بعد عودتهم من الحج وزيارتهم النبي r لا يعودون إلى بلادهم حتى يمروا بالمسجد الأقصى، رغبة منهم في الحصول على الثواب الكامل، بشدهم الرحال إلى المساجد الثلاثة، واستمرت هذه العبادة، إلى أن تم احتلال الأرض المباركة.
وعندما تنظر إلى الصحابة الكرام والتابعين ومدى تعلقهم بهذا المكان تتعجب، كثير من الصحابة بعد فتحه ذهبوا إلى عمر بن الخطاب يستأذنوه بالاستقرار في الأرض المقدسة، ومنهم أبو الدرداء، وسلمان الفارسي، وبلال، وعبادة بن الصامت وغيرهم من الصحابة.
ويقول الإمام الشافعي: أحب الإعتكاف في المسجد الأقصى أكثر من مسجد النبي والمسجد الحرام. وعندما سألوه: لما؟ قال: أحب أن أكون وسط جميع أنبياء الله.
وفي رمضان في العصور الماضية كان يعتكف في ساحة المسجد الأقصى عدد كبير من المسلمين، وفي كل عمود من اعمدة هذا المسجد اسم عالم من علماء المسلمين كان يجلس تحته، ليعلم الناس، مثل أبي حامد الغزالي، وابن القيم، تخيلوا قيمة وعظمة هذا المكان.
أيها المؤمنون كثير من الناس في العالم، مسلمين أو غير مسلمين، يتسائلون ويقولون المسجد الأقصى في ملك من؟ المسلمون يقولون أنه مِلك لهم فهم كانوا موجودين فيه أيام سيدنا إبراهيم وهم أتباعه، واليهود كذلك يقولون أنه مِلك لهم وأنهم موجودون فيه أيام سيدنا إبراهيم وهم أتباعه، لكن الله تبارك وتعالى يقول }مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا{ فأثبت أنه لم يكن لا يهودياً ولا نصرانياً ولكن حنيفاً مسلما.
وإسرائيل هو سيدنا يعقوب ولقد سموا البلد على اسمه –إسرائيل- انظر ماذا قال لبنيه لما حضره الموت} أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَـهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ{
فهذه الأرض المقدسة ليست ملكاً لأحد، بل هي أرض الله تعالى، الموجود من الأنبياء هو المسؤول عنها وأتباعه، في عصر سيدنا آدم كان سيدنا آدم هو المسئول عنها وأتباعه ، وفي عصر سيدنا نوح هو المسؤول عنها وأتباعه، وفي عصر سيدنا داوود كذلك وفي عصر سيدنا موسى هو المسؤول عنها وأتباعه. إذاً من المسؤول عن هذه الأرض الآن ؟ محمد rوأتباعه، فالنبي r في معجزة الإسراء والمعراج، الصعود والنزول من السماء كان من الأقصى، وكان من الممكن أن يكون من مكة، لكنه لم يكن، ليفهم أتباع الرسول r أن هذه الأرض تخصهم.
والأعجب من هذا هو عند دخول النبي المسجد الأقصى، وجد كل الأنبياء بعثهم الله لاستقباله، ويقف الأنبياء كلهم صفوفا لصلاة ركعتين، ويقف النبي وسط الصفوف، وإذا بجبريل يقول له : تقدم يا رسول الله صل بالأنبياء إماماً، فيتقدم النبي وكل الأنبياء صلوا خلفه، وهناك معلومة لطيفة: يقول رسول اللهr:) لا يؤمن الرجلُ الرجلَ في بيته) فمن الذي صلى إماما بالأنبياء ؟ النبي r ،إذن من صاحب البيت ؟ المعنى واضح!!
كان من عادة سيدنا عمر بن الخطاب عندما يفتح أي بلد يأتي إلى الأرض الزراعية فيها فيقسمها على الجيش الفاتح، فلما فتح الأرض المقدسة رفض التقسيم، وعندما سألوه: لم لا تقسم الأرض كما قسمت باقي البلاد؟! قال: وهل قسم رسول الله مكة يوم فتحها؟ قالوا: لا. قال: وهل القدس إلا كمكة؟
أيها المؤمنون! ما هو واجبنا تجاه المسجد الأقصى؟ وما هو الحل؟ الحل ليس في المظاهرات! فالمظاهرات تعبير صادق عن مشاعر الناس لكنها تنتهي في الغالب بدون بدون فائدة.
وهذا الحل سأخذ من المسلمين وقتا طويلا لكن والله الذي لا إله غيره ليس هناك حل أعظم منه وهو : العودة للإيمان، في عصر سيدنا موسى سيطر قوم جبارون على المسجد الأقصى، فأرسل الله عليهم سيدنا موسى وقومه، ولكن هل كان الذين مع سيدنا موسى مؤمنين حقا؟ لا لم يكونوا مؤمنين، وبالتالي لم يفتحوها قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ....فجاء الجواب من الله....قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ أتدرون لماذا وأربعون سنة تحديداً؟ حتى يتغير الجيل، وظل سيدنا موسى طيلة هذه المدة ينشئ جيلا جديدا مؤمنا بالله عز وجل، إلى أن تحقق له ذلك، فقام بفتح الأرض المقدسة وطرد القوم الجبارين، القضية لن تُحَل إلا إذا عادت الأُمة لدينها، ولن تُحل إلا إذا أصلحت نفسك وزوجتك وأبنائك، وهكذا كل مؤمن يصلح نفسه ومن تحته، عندئذ الله سبحانه سيجعل حلا لهذه القضية }لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ{ فهذا يهودي يقول لأحد المسلمين: إنكم لن تستطيعوا إرجاع المسجد الأقصى حتى تكونوا في صلاة الفجر مثل صلاة الجمعة حتى تزدحموا في صلاة الفجر كما تزدحمون في صلاة الجمعة.
وهناك حل آخر وهو الدعاء : أن تدعو الله أن ينصر الإسلام والمسلمين في كل مكان لا يغيب عن أذهانكم أن رجلا فلسطينيا تعلق بأستار الكعبة، ويقول يدعو بأعلى صوته : اللهم إني أشكو إليك المسلمين، نسونا حتى في دعاؤهم.
أحبتي الكرام! كنا اليوم في رحاب تفسير قوله سبحانه: يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ
اللهم انصر الإسلام والمسلمين في كل مكان واخذل الشرك والمشركين في كل مكان