دروس ليالي رمضان: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ
11رمضان 1435 / 10 يوليوز 2014
محمد زراك إمام وخطيب المسجد الكبير بأولاد برحيل المغرب
أما بعد فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نسأل الله يتقبل منا الصيام والقيام، وان ييسر أمورنا، ويبارك لنا في أعمارنا وأعمالنا، وأزواجنا وذرياتنا، وأن يرحمنا ويتوب علينا أجمعين آمين
أيها المؤمنون! شهر رمضان شهر القرآن، شهر نزوله ، وشهر مدارسته، وشهر الدعوة إلى تطبيقه، ووقفنا بكم البارحة مع قوله تعالى: إن اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً فتعالوا بنا الليلة نقف بكم مع آية أخرى من آياته الكريمات، وسنحاول أن نصل بهذه الآية إلى قلوبنا حتى تطمئن وتزداد إيمانا هذه الآية هي قوله تعالى: }وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ{
والعزة ضد الذل وتعني الرفعة والغلبة، وعزة المؤمن ليست شيئا يُشترى بالمال، وليس منبعها شبابه أو قوته أو بيته أوسيارته أو غير ذلك؛ لأن هذه الأمور يشاركه فيها بل قد يتفوق عليه فيها الكافر والفاجر، فمصدر عزة المسلم إيمانه بالله} من كان يريد العزة فلله العزة جميعا{
وتكتسب العزة بأمرين أولهما: عبادة الله، وثانيهما: استغناء الإنسان عن ما في أيدي الناس، يقول رسول الله r (شرف المؤمن صلاته بالليل، وعزه استغناؤه عما في أيدي الناس) وكلما تعلقت نفس الإنسان بالدنيا وطمَع فيما في أيدي الناس أصبح ذليلا وحقيرا وكرهه الناس، يقول النبي : (ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما بأيدي الناس يحبك الناس)
ويظن كثير من الناس أن العزة تكتسب بالمال! لا وألف لا، فالعزة لا تكتسب بالمال، بل قد يكون المال من أسباب الذل والهوان، ولقد كان خير الناسr وأصحابه رضوان الله عليهم أعز الناس وأشرفهم لاعتزازهم بدينهم واغلبهم ما كان من الأغنياء! ونحن يوم تركنا شرع الله وراءنا ظهريا، وآثرنا الدنيا على الآخرة، سلط الله علينا هذا الذلّ الذي تعيشه أمة الإسلام، يقول النبي r (إذا ضن الناس بالدينار والدرهم ...إلى أن قال... أنزل الله عليهم ذلا، لا يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم) ويقول النبيr (تعس عبد الدرهم! تعس عبد الدينار! تعس وانتكس) أي إنسان ذليل!
الله سبحانه يأبى الذل لعباده، ولذلك أمرنا بقول : لا إله إلا الله.. فلا أعبد غير الله، ولا أذل نفسي لغير الله، ولا أخضع لغير الله، لأنه لا إله إلا الله، لا ذل ولا عبودية إلا لله.
سيدنا موسىr أرسله الله إلى بني إسرائيل ليخرجهم من الذل إلى العز! لأنهم مقهورين، كل الأنبياء أرسلوا إلى أقوامهم بسبب كفرهم، إلا موسى! كان بنو إسرائيل مؤمنين، لكن فرعون أذلهم... ما علمت لكم من اله غيري }يذبح أبنائهم ويستحيي نسائهم{ وقصة موسى أغلبها إخراج الناس من الذل للعز! ولذلك جاءت قصتهم كثيراً في الآيات القرآنية، لأن هذه الصفة لو ضاعت في الأمة الإسلامية، فلن تكون [size=35]هناك عبادة[/size] حقيقية!
فهذه السيدة آسيا امرأة فرعون المؤمنة الصالحة، قال لها فرعون: لتكفرن بالله أو لأذيقنك سوء العذاب، فثبتت على دينها، فغضب فرعون، وأمر بها فوضعت على لوح، وربطت يداها ورجلاها في اوتاد من حديد وذاقت ألوان العذاب حتى بدأت اللحم ينسلخ عن عظمها!فلما اشتد عليها العذاب، رفعت بصرها الى السماء
وقالت[size=32] رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ[/size] وارتفعت دعوتها الى السماء قال العلماء فكشف الله لها عن بيتها
في الجنة فتبسمت ثم ماتت.الله أكبر قصة عجيبة
وأعجب من ذلك قصة ماشطة ابنة فرعون! أتدرون ماهي قصتها؟قَالَ رَسُولُ اللَّهِ rلَمَّا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الَّتِي أُسْرِيَ بِي فِيهَا، أَتَتْ عَلَيَّ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ.
فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَا هَذِهِ الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ؟
فَقَالَ: هَذِهِ رَائِحَةُ مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ وَأَوْلَادِهَا.
قَالَ: قُلْتُ: وَمَا شَأْنُهَا؟
قَالَ: بَيْنَا هِيَ تُمَشِّطُ ابْنَةَ فِرْعَوْنَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ سَقَطَتْ الْمشط مِنْ يَدَيْهَا، فَقَالَتْ: بِسْمِ اللَّهِ.
فَقَالَتْ لَهَا ابْنَةُ فِرْعَوْنَ: أَبِي؟
قَالَتْ: لَا، وَلَكِنْ رَبِّي وَرَبُّ أَبِيكِ اللَّهُ.
قَالَتْ: أُخْبِرُهُ بِذَلِكَ؟
قَالَتْ: نَعَمْ.
فَأَخْبَرَتْهُ ، فَدَعَاهَا، فَقَالَ: يَا فُلَانَةُ وَإِنَّ لَكِ رَبًّا غَيْرِي.
قَالَتْ: نَعَمْ، رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ.
فأحضر قدرا من نحاس وأوقد عليه النار حتى احمر كالجمرة، ثُمَّ أَمَرَ بِأَوْلَادِهَا فَأُلْقُوا بَيْنَ يَدَيْهَا وَاحِدًا وَاحِدًا إِلَى أَنْ انْتَهَى ذَلِكَ إِلَى صَبِيٍّ لَهَا مُرْضَعٍ وَكَأَنَّهَا تَقَاعَسَتْ مِنْ أَجْلِهِ.
قَالَ: يَا أُمَّهْ اقْتَحِمِي فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ فَاقْتَحَمَتْ.
هؤلاء الذين ثبتوا على دين الله هم الفائزون، و فرعون وحزبه هم الخاسرون.
عمر بن الخطاب نحبه لأنه مثال للعزة، يكنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام فمهما نطلب العزة بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله.
أسماء بنت أبي بكر وهي شابة صغيرة، يضربها أبو جهل لتخبر عن مكان أبيها يوم غار ثور، فلا ترد. وفي آخر عمرها وهي عجوز قبل أن يقتل الحجاج ابنها عبد الله بن الزبير، يقول لها ابنها: يا أمي أخاف أن يمثلوا بجسدي! فترد عليه: وما يضر الشاة سلخها بعد ذبحها! وبعد قتله يأتيها الحجاج يقول: أرأيتِ كيف فعلت بابنك؟ فتقول: نعم! أراك أفسدتَ عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك!
المعتصم بالله بن هارون الرشيد حاكم عزيز في تاريخ المسلمين، لمّا صرخت مرأة محبوسة عند الروم: " واامعتصماه " أرسل إلى ملك الروم يقول له: أرسل إلي المرأة معززة مكرمة وإلا أرسلت لك جيشاً أوله عندك وآخره عندي! فيرسل له المرأة
هكذا أيها الإخوة الكرام ينبغي أن نربّي أنفسنا وأبناءنا عليه، فلا نرضى بالذل والخسران.
وفي الختام أقول لكل مؤمن وأقول: لا تقبل الذل أبداً يقول النبي: ((من تضعضع لغني لغِناه فقد ذهب بثلثا دينه))، ((اطلبوا الحاجات بعزة أنفس فإن الأمور تجري بالمقادير))
وعزز الناس وشرفهم وأكرمهم يقول النبيr: ((من أُذِلّ عنده مؤمن وهو قادر أن يعزه ولم يفعل، أذله الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة)) اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين...