لا يسخر قوم من قوم(الحجرات5)

لا يسخر قوم من قوم(الحجرات5)
10رجب 1433 / 1 يونيو 2012
إمام المسجد الكبير أولاد برحيل المغرب
الحمد لله معز من تاب إليه واتقاه، ومذل من خالف أمره وعصاه، وفق من شاء
من عباده لما يحب ويرضاه، وفضل التائب على العاصي واجتباه، وأشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا نعبد إلا إياه، وأشهد أن سيدنا محمدا
عبده ورسوله ومصطفاه، طوبى لمن آب إلى سنته ووالاه، وويل لمن أعرض عن شرعه
وعاداه، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الذين تابوا إلى الله فنالوا
محبته ورضاه، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى أن نلقاه، اللهمّ أخرجنا من
ظلمات الوهم وأكرمنا بنور الفهم وافتح علينا أبواب رحمتك وانشر علينا خزائن
علومك ومعرفتك...
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون!الحديث حول الآية
المباركة:قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ
قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ
مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ﴾
ذكر المفسّرون في سبب نزول الآية المباركة مجموعة من الرّوايات، نقتصر على روايتين:
جاء في كتاب المحرر الوجيز، في تفسيرالكتاب العزيز أن هذه الآية " لا يسخر
قوم " نزلت بسبب عكرمة بن أبي جهل وذلك حين قدم الدينة مسلما، وكان
المسلمون إذا رأوه قالوا: هذا ابن فرعون هذه الأمة فشق ذلك عليه وشكاه إلى
رسول الله.
وهناك رواية اخرى ذكرها الإمام القرطبي والبغوي وغيرهما
وهي: أن هذه الآية نزلت في ثابت بن قيس وكان ضعيف السّمع وكان إذا دخل
المسجد تفسّحوا له حتَّى يقعد عند النّبيّ ليسمع ما يقول، فدخل يومًا
والنَّاس قد أخذوا مكانهم فكان يتخطَّى رقاب النَّاس ويقول: تفسَّحوا
تفسَّحوا حتَّى انتهى إلى رجل فجلس خلفه مغضبًا، فقال الرجل: من هذا؟قال:
أنا ثابت، فقال: ثابت بن فلانة؟ ذكر أمًّا له كان يُعيَّر بها في
الجاهليَّة، فنكس ثابت رأسه حياءً، فنزلت الآية المباركة تنهى عن السَّخرية
بالآخرين.
أيها الإخوة المؤمنون! السُّخرية تعني الاستهزاء بالغير
وتحقيره، إما لضعفه أولصغره أو فقره وإما لعلة حادثة أو لعيب في جسده أو
خلقه أو لرزية او لمعصية يأتيها. وذلك بأن يصفه مثلاً بوصفٍ يؤدي إلى إضحاك
النَّاس عليه أو يحكي مشيته لغرض تعييره بعدم استقامته في مشيته، أو ترديد
قوله ليعبّر للآخرين عن عيبٍ في نطقه.
هذا وقد استحدثت في هذا الزّمن
وسائل أخرى للسّخرية من الآخرين مثل الرّسم أو نشر صورة على شبكة
الإنترنيت، بطريقة تبعث على الضّحك وتُوجب تحقير من تمّ رسمه، وقد انتشرت
هذه الظاهرة في شباب هذه المدينة، يريدون تغيير المنكر بمنكر مثله، نسأل
الله تعالى أن يهديهم.
عباد الله! لو بحثنا عن الدوافع لسخرية وتحقير
بعض النَّاس للآخرين لوجدنا أنَّ ذلك ينشأ عن شعور الإنسان بالكِبرِ
والعُجب بالنَّفس، فالمتكبّر الذي يحس الاستعلاء والفوقيَّة يُعبّر عن هذا
الشُّعور بواسطة احتقار الآخرين فبذلك يجد راحة في نفسه المُثقلة بالعُقد
والأحقاد، فالسُّخرية إذن مظهر من مظاهر الشُّعور بالعُجب والكبرياء وهما
من أخطر الأمراض القلبيَّة التي يُبتلى بها الإنسان اللهم طهر قلوبنا من
الكبر والعجب يارب العالمين.
وقد عالج الإسلام هذا السُّلوك السّيّء من خلال التّحذيرات المتنوعة التي وردت في القرآن الكريم والسّنّة الشّريفة.
فالآية المباركة التي نحن في تفسيرها نهت عن أن يسخر رجل من رجل آخر أو
امراة من امرأة اخرى وأفادت أنّ السّخرية إن كان منشأها هو توهّم التّميّز
والأفضليَّة، فهو لا يبرّر السّخرية لأنّ معيار المفاضلة ليس هو المعيار
الذي ترونه فقد يكون من تسخرون منه أفضل منكم فإنَّ معيار المفاضلة في
الإسلام هو الأقربيَّة إلى الله تعالى والأقرب إلى الله تعالى هو الأتقى،
وفي آية اخرى يقول تعالى سأنقلكم أيها المؤمنون، إلى غزوة تبوك لنعيش معا
اجواء نزول هذه الآية الكريمة وما صاحبها من أحداث، فعن ابن عمر قال: قال
رجل في غزوة تبوك في مجلس: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء، لا أرغب بطونًا، ولا
أكذب ألسنة، ولا أجبن عند اللقاء! فقال رجل في المجلس: كذبت، ولكنك منافق،
لأخبرن رسول الله ، فبلغ ذلك رسول الله ونزل القرآن، قال عبد الله: فأنا
رأيته متعلقًا بحقب ناقة رسول الله والحجارة تنكيه، وهو يقول: يا رسول
الله، إنما كنا نخوض ونلعب فقال له النبي : ((أبالله وآياته ورسوله كنتم
تستهزئون)). فمن الواجب على كل مسلم أن يقول قبل احتقاره لأي إنسان، أنا
أتعامل مع أصناف ثلاثة: -من يكبرني سناً - ومن يساويني سناً -ومن هو أقل
مني في العمر
فالإنسان الذي يكبرني سناً؛ بمجرد أن أبدأ في التعامل
معه، يجب أن يخطر ببالي ويقر في قلبي، أن هذا الإنسان الذي يكبرني سنا أفضل
مني عند الله عز وجل، لأنه سبقني إلى الطاعات وسبقني إلى الإسلام.والذي
يصغرني سناً أقول هو أفضل مني عند الله عز وجل؛ لأنني سبقته بالذنوب.والذي
يساويني سناً أقول في نفسي لابد أنه أفضل مني لأنني أعرف من ذنوبي مالا
يعرفه غيري.إذاً الإنسان الذي يستسهل أو يتساهل في مسألة الاستهزاء بالناس
يرتكب شيئاً حرمه رب العباد سبحانه وتعالى.

ثُمّ إنَّ السُّنَّة الشَّريفة أوصت في موارد عديدة بعدم ممارسة هذا السُّلوك وحذّرت من آثاره في الدّنيا والآخرة.
يقول الرّسول الكريم كان بالمدينة أقوامٌ لهم عُيوبٌ فسكتوا عن عيوب
النّاس فأسكت الله عن عيوبهم النّاس، وكان بالمدينة أقوامٌ لا عيوب لهم
فتكلّموا في عيوب النّاس فأظهر الله لهم عيوبًا ولا يزالون يُعرفون بها إلى
أن ماتوا".
فالرّواية تُؤكّد أنّ احتقار النّاس له جزاء دنيوي وهو من
جنس العمل، وفي الأثر: ((لا تظهر الشماتة بأخيك، فيعافيَه الله
ويبتليك)وورد كذلك: ((من عَيَّر أخاه بذنب لم يمت حتى يفعل مثله)
إذا
رأيتَ مبتلى في دينه أو في بدنه فقل: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به
كثيرا من الناس، فالذي قدَّر له ما قدَّر قادر أن يجعلك مثلَه أو أقلَّ
منه، ومما يوثر من كلام روح الله سيدنا عيسى على نبينا وعليه الصلاة
والسلام أنه قال: لا تنظروا إلى عيوب الناس وكأنكم أرباب، بل انظروا إليها
وكأنكم عبيد فالناس قسمان مبتلى ومعافى فاحمدوا الله على العافية وارحموا
أهل البلاء. نفعني الله.. أقول قولي هذا....
الخطبة الثانية
أيها
المؤمنون: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ
عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى
أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ﴾ سأذكر بعض عبارات القرآن الكريم في تحريم
ظاهرة السخرية والاستهزاء.
فتارة يبين أن ديدن الكفار هو الاستهزاء من
المؤمنين، فيقول: زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا
وَيَسْخَرُونَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا ويقول: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا
كَانُوا مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ
يَتَغَامَزُونَ.
وتارة بإخبار المولى عز وجل أن أول عمل يقوم به
المكذبون للرسول الاستهزاء والسخرية، قال تعالى: يَا حَسْرَةً عَلَى
الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ
يَسْتَهْزِئُون. وتأملوا ـ رعاكم الله ـ شأن زعيم المكذبين فرعون إذ يقول
سبحانه: وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي
مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا
تُبْصِرُونَ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا
يَكَادُ يُبِينُ.
وتارة يبين لنا القرآن أن من الإستهزاء ما يصير كفرا والعياذ بالله: ولئن سألتهم..
هذا وأكثروا من الصلاة والسلام على رسول الله…
وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين، أبي بكر وعمر وعثمان
وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى
يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
أمير
المؤمنين محمدا السادس اللهم وفقه لهداك، واجعل عمله في رضاك، وأعنه على
طاعتك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم انصر به وعلى يديه، اللهم احفظه في ولي
عهده وفي كافة أسرته الشريفة يارب العالمين.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ
قُلُوبَنَا مُطْمَئِنَّةً بِحُبِّكَ، وَأَلْسِنَتَنَا رَطْبَةً بِذِكْرِكَ،
وَجَوَارِحَنَا خَاضِعَةً لِجَلاَلِكَ. اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ
أَعْمَارِنَا أَوَاخِرَهَا، وَخَيْرَ أَعْمَالِنَا خَوَاتِمَهَا، وَخَيْرَ
أَيَّامِنَا يَوْمَ نَلْقَاكَ.اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها دقها وجلها أولها
وآخرها سرها وعلنها. اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما
أعلنا وما أنت أعلم به منا أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت.اللهم
اغفر لنا جدنا وهزلنا وخطأنا وعمدنا. اللهم ارفع عنا المحن والفتن كلها ما
ظهر منها وما بطن. ربنا اغفر لنا ...اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين
والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.

بارك الله فيك اخي

وجزاك الله خيرا