متاع الدنيا قليل
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وخاتم النبيين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الإخوة الكرام! نجتمع وإياكم في هذا المكان لنقضي بعض الأوقات، ونحن ننتظر صلاة العشاء، والإنسان منا يحتسب أنه ينتظر صلاة (فلا يزال العبد في صلاة ما انتظر الصلاة) يُكتب كأنه يصلي لله عز وجل (وخرج النبي يوماً من الأيام بعد الصلاة ورجع إلى المسجد فوجد الصحابة جالسين، فسألهم: ما الذي أجلسكم؟ قالوا: ننتظر الصلاة. قال: آلله ما أجلسكم إلا هذا؟ قالوا: آلله ما أجلسنا إلا هذا، نذكر الله وننتظر الصلاة، قال: فإن جبريل أتاني يخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة) الله يباهي بعباده يقول: انظروا إلى عبادي قضوا فريضة وهم ينتظرون الأخرى. ونحن بإذن الله عز وجل مثلهم ننتظر الفريضة الأخرى، ومن الناس الآن وفي هذه اللحظات يجلس أمام التلفاز للغناء وللطرب (وللأفلام) وللمسلسلات، وإن كان بعض الناس الآن حتى الصلاة لم يصلها، ولا ينوي حتى بالصلاة، ولا يفكر حتى بالسجود لله عز وجل، فنحن نفرح أن الله وفقنا لأداء صلاة المغرب، ونفرح أن الله هيأ لنا هذا المجلس، وأن الله اختارنا ممن يجلس ليستمع ذكر الله، ونفرح أن الله عز وجل سخر لنا هذا الخير كله: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:58] هذان داود وسليمان عليهما السلام، أعطاهما الله عز وجل نعماً عظيمة وأموالاً كثيرة، يقول وهب بن منبه : كان لسليمان عليه السلام ألف بيت، أعلاها قوارير وأسفلها حديد، قال: فركب الريح يوماً -وكان سليمان عليه السلام قد سخر الله عز وجل له الريح- فمر بحرَّاث، أي: رجل مزارع، وانظروا الآن المزارع عندما ينظر إلى القصور ماذا يتمنى؟ فهذا كان ينظر إلى سليمان معه ألف قصر، وسخر الله له الريح والجن والإنس، وهذا مزارع ليس معه شيء، ولا يملك شيئاً من الدنيا، فنظر إليه فقال: والله لقد أوتي آل داود ملكاً عظيماً. بعض الناس اليوم يتمنى الأموال والملايين، انظر إلى البرنامج الذي خطف قلوب الناس اليوم: (من يربح المليون؟!) صار الناس عبيداً لهذا البرنامج، والناس عبيد أموالهم، صار بعض الناس عبد الدينار وعبد الدرهم، وتعس عبد الدينار وتعس عبد الدرهم. فقال المزارع: والله لقد أوتي آل داود ملكاً عظيماً. فسمعه سليمان عليه السلام، وحملت الريح كلامه فرجع سليمان إلى هذا الرجل وجلس عنده فقال: يا فلان! لقد سمعت ما قلت، قال: نعم لقد أوتيتم ملكاً عظيماً، قال: والله لتسبيحة واحدة يقبلها الله عز وجل خير مما أوتي آل داود جميعاً. تسبيحة! سبحان الله! (لأن أقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إليَّ مما طلعت عليه الشمس) قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنْ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً [النساء:77]. يا عبد الله فكر! هذه هي الدنيا، إنما هي متاع قليل، ولحظات قليلة، ثم نغادرها ونو